بانتظار مبادرة الـ «40» شخصية


يمكن للذين باتوا يعتقدون ان بلدنا يواجه اسئلة ومخاضات كبرى، وبان واجبهم يتجاوز مجرد المعارضة والانتقاد مع الاستمرار في التلاوم والصراع، يمكنهم ان يتقدموا خطوة للامام، وان ينهضوا عن مقاعد المتفرجين (لكي لا نقول مقاعد المشاكسين)، لكي ينزلوا الى ميدان الفعل لا مجرد الكلام والى ممارسة الواجب لا الاكتفاء بالوعظ والتحذير فقط، فنحن امام مرحلة تداهمنا اخطارها التاريخية، وهي اخطار لا تستوجب تحالفات سياسية تدافع عن الحدود فقط وانما تحالفات تاريخية تحمي الوجود ايضا..
هنا، ما الذي يمنع الحكماء في بلدنا مثلا من الجلوس على طاولة الحوار لطرح اي مبادرة تساعدنا في الخروج من حالة الاستعصاء والاستقواء والعناد المتبادل، ، ولماذا آثر البعض الهروب او الاختفاء او الانشغال فيما الناس ينتطرونهم لمعرفة ما يجري وفهم ما يمكن أن يحدث، أو لتبديد حالة اليأس التي اصابتهم، او لتحديد تجاه البوصلة نحو المصلحة الوطنية التي لا يختلف عليها إلا الذين اخذتهم حساباتهم الى مناطق أخرى لا علاقة لها بالبلد ولا بأهله.
هذه الاسئلة والاستدراكات، ربما كانت حاضرة في اذهان الشخصيات الـ»40» التي اجتمعت قبل ايام في جمعية الشؤون الدولية، لكن الاجابات التي ننتظرها منهم ما زالت معلقة، صحيح ان الاجابات تحتاج الى قراءات عميقة وتشريحية لمجمل خياراتنا واجتهاداتنا السياسية في المرحلة الماضية، لكنني اعتقد ان اللحظة الراهنة - بكل ما تحمله من تحديات واعتبارات - أصبحت مناسبة جدا لطرح ما يلزم من مبادرات تساعدنا في العودة الى سكة السلامة.
اذا تجاوزنا لحظة الترحيب بمثل هذه « الصحوة» لشخصياتنا الوطنية التي آثر بعضها فيما مضى الابتعاد عن المشهد (لا تسأل عن الاسباب)، واردنا ان نفهم ما جرى في بلدنا، فاخشى ما اخشاه ان نفاجأ باننا جميعا لا نعرف شيئا، وبان ما نراه اشبه ما يكون بمسلسل طويل يتقافز الممثلون فيه على الشاشة، فيما يقف من انتجه ومن اخرجه وراء الكواليس وكأنهم اشباح لا نعرف منهم احدا.
لا يجرح بلدنا ابدا ولا يقلل من قيمة انجازنا ان نعترف بأننا اخطأنا، وبأن تجربتنا قد تعرضت لاصابات هنا أو «رضوض» هناك، وان إعادتها الى سكة «السلامة» خيار وقرار، لا مجرد اجراءات فقط، واذا كان ثمة وصفات قد ثبت فشلها، فان ثمة وصفات اخرى يمكن أن تجرّب وان تنجح متى أشرف على تنفيذها من نثق بكفاءتهم وخبرتهم، فالاوطان - في العادة - لا تتوقف عند برنامج أو شخص أو جهة، وانما تحتاج الى مشاركة الجميع، والى الثقة بالجميع، والى البحث عن البدائل الافضل للخروج من مشكلاتها والتباساتها واعادة العافية الى أوصالها المختلفة.
ما علينا، دعونا نفكر الان بالاهم، اقصد ماذا نفعل لمواجهة ما يحدث لكي نتجاوزه ؟
اعتقد ان انظار الناس (خاصة بعد واقعة جلب المتهم الاول في قضية الدخان ) تتجه نحو تغيير الصورة (النهج : ادق)، كما ان لديهم امل كبير بان عجلة الاصلاح بدأت بالدوران، لكن الأهم من ذلك هو انتظارهم لمبادرة وطنية جادة تمشي على الارض، تبدأ بانهاء حالة القطيعة والجفاء بين مكونات الوطن الواحد، وتبني مرحلة جديدة من الثقة بينهم وبين دولتهم ومؤسساتهم، وتؤسس لتفاهمات صحيحة تحسم الجدل الدائر بين مختلف الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي.
لكي يتحقق ذلك نحتاج، في هذه اللحظة بالذات، إلى مغادرة حدود «التلاوم» والتصادم ومنطق الاصطفاف والتراشق، والتفكير (لا بل والعمل) جدياً من أجل بناء كتلة وطنية نتوحد في إطارها، كقوى سياسية واجتماعية، ومن مختلف الأطياف والمكونات، للتوافق على القيم الكبرى والمصالح العامة التي تضمن سلامة بلدنا وتحافظ على هويته، وتمنحه فرصة «تاريخية» للخروج من أزماته واستثمار إمكانياته وبناء مستقبله أيضاً.
هل ستنجح الشخصيات الوطنية الـ (40) كنواة لتشكل اطارا سياسيا جامعا، يحشد الاردنيين حول مبادرة جادة تساعدنا على الخروج من ازماتنا، وتعيد لاجيالنا الامل بمستقبل افضل ؟ بصراحة ليس لدي اجابة واضحة، لكن رغم كل الخيبات التي اصابتنا فيما مضى من جهة بعض نخبنا السياسية، ما زال لدي امل بقدرة مجتمعنا على ولادة نماذج وطنية ملهمة تحمل مبادرات حقيقية، وتبدد الغبار الكثيف الذي افقدنا رؤية انفسنا..ومستقبلنا ايضا.