الأردن أولاً وخارطة طريق للمستقبل



الحراك الشعبي حول الدوار الرابع حتى يحافظ على ألقه وينتج خيرا يحتاج مع الحماس لبصيرة، ومع الحمية الوطنية لشيء من الحكمة، وربما الكثير الكثير من الحكمة في ظرف وتوقيت حساس على التخوم ووراء السهوب، وداخل حدود الوطن.
فمن جهة اولى.. موجبات الحراك حقيقية، وجادة، وليست موضع جدل او ملاحاة، فثمة ازمة اقتصادية متفاقمة وليس ثمة ضوء في نهاية النفق، يفاقمها استطالة جدار الفساد، حتى باتت كل المعالجات الاقتصادبة بلا طائل، ولا تبشر بنهاية قريبة للازمة، وفوق ذلك اصلاح سياسي متعثر، يسير ببطء سلحفاة او ادنى من ذلك، فيما الاردن بلد محدود الموارد وتعتمد ادارته السياسية على نظام ريعي يقوم على رعاية آلاف الاسر تحت مسمى الوظيفة الحكومية، وليس له جواب ناجز على هذه المشكلة.
ومن جهة اخرى تضغط الجغرافيا السياسية على الاردن من جهاته الاربع، فوضى سياسية في جهة، احتراب طائفي في اخرى، ساسة مغامرون يركبون البحر دون بصيرة في الجوار، ورابعة .. احتلال يقوده يمين يعتقد ان الوقت قد حان ليفرض على الارض حقيقة وجوده المرفوض، وفوق الجهات الاربع ثمة رعونة امريكية تحاول حشر الفيل في زجاجة تضيق على ابهام اليد تحت عنوان صفقة، المستفيد منها طرف واحد هو الاحتلال، والمتضررون كثر بعدد شعر الرأس.
ومطلوب من الاردن ان يحافظ على ابتسامته في مواجهة قدره الصعب، معتصما بصبره الطويل، وربما تمت مساومته تحت نصل السكين، وربما استثمر بعض تجار الموت في أزمته ومحنته التي تمتد دون افق او بصيص امل.
هل هذا يعني صمت الاردنيين وبقاء الحال على ما هو رثاثة، واستمرار الحكومات في اضاعة الوقت والمزيد من الاضرار بالوطن، ام ان المطلوب صخب شعبي عالي الصوت يضرب في كل اتجاه دون وعي ودون ان يحدد ماذا يريد، يقسم اكثر مما يوحد، ويكسر اكثر مما يجبر، يفتقد للرأس والبرنامج الواحد والواضح، لا يحسن الكر والفر دون ان يخلط الامور او يدخل في الازمة الى متحف الخزف؟
يحتاج الاردن لحوار ليس مع اشباح، ويحتاج لنخب تعرف ماذا تريد،
يحتاج لمبادرات من رأس الدولة تقفز بالاوضاع والحال خطوات واسعة للامام. ويحتاج لوحدة وطنية كريمة يقف فيها الجميع على صعيد واحد في مواجهة اللحظة الاقتصادية الخانقة، واللحظة السياسية الحارقة، يحتاج لأعلى قدر من الانضباط الشعبي والرسمي، ولضبط الخطاب واستحضار اعلى قدر من المسؤولية من الجميع.
وليوضع كل شي على الطاولة؛ تفاصيل الواقع الاقتصادي، برنامج وآليات محاسبة واستئصال الفساد ولجم الفاسدين، الاصلاح السياسي الحقيقي، حقيقة الاخطار والتحديات الخارجية التي تتهدد الوطن من بعيد او قريب، وليقدم كل صاحب رأي ورؤية ما عنده من اجل رسم خارطة طريق للمستقبل بعيدا عن التراشق والاستثمار الفاسد في الفوضى والاجندات غير الكريمة.
والامر قبل هذا وبعده ليس فزعة.. ولا ثورة اعصاب او عواطف ثائرة .. ولكن عقل بارد وإرادة حقيقية للتغيير والبناء، ومن المهم تجنب الانزلاق الى دائرة الخراب من حيث لا يحتسب العقلاء والمبصرون، ولا مصلحة في اعلاء السقوف والاثقال على المشهد بطرح غير الممكن، وكل ما تلبس بهوى او اجندة ضيقة او ما لا ينبني عليه فائدة او مصلحة راجحة.