حتى لايكون عفوًا عامًا باهتًا


تتجنب الحكومات، اصدار عفو عام، لسببين أولهما كلفة العفو المالية، وثانيهما تثبيت مبدأ العقاب على كل من يخطئ، بدلا من العفو عنه.
احدى الحكومات السابقة، كانت تتجه الى عفو عام واسع، يشمل الشيكات وغراماتها، وفئات أخرى، اكتشفت ان كلفة العفو على الخزينة تصل الى نصف مليار دينار، وحكومة أخرى، حسبت كلفة العفو العام، بطريقة مختلفة، فكانت كلفتها ثلاثمئة مليون دينار.
الحكومات كانت تتجنب العفو، كونه يبدد هذه الموارد المالية المحتملة، وتجعلها خارج حسابات الخزينة المتوقعة او المنتظرة.
السبب الثاني يتعلق بالعقوبة، ووفقا لمصادر رسمية، فإن الدراسات اثبتت ان ثلاثين بالمئة من الذين تم العفو عنهم عادوا الى ارتكاب الجرائم، كما ان هناك خبراء يرون ان العفو بحد ذاته لن يغير في سلوك السجين، ولا في استعداده لارتكاب الجرائم.
هذا الكلام غير صحيح كليا، وان كان صحيحا عند فئة المحترفين للجريمة وليس الذين يتورطون لأول مرة، او بدون قصد.
مناسبة هذا الكلام، حض الحكومة الحالية، على ان لا تصغر مفهوم العفو العام، وان لا تسعى الى تحويله الى عفو بلا مضمون، من حيث تقليل عدد الفئات المستفيدة، ونحن هنا، لا ندافع عن المجرمين، ولا عن الاجرام، لكن لابد ان يحقق العفو مغزاه، ولا يجوز تفريغه من محتواه، ونحن امام مشهد نرى فيه عشرات الالاف في السجون، واكثر من مئتي الف شخص مطلوب للتنفيذ القضائي، ومئة الف قضية في المحاكم، وبهذا المعني فإن العفو يخفف الضغط على جهاز الامن العام، والتنفيذ القضائي، والجهاز القضائي.
لابد من تكييف العفو بطريقة مفيدة للناس، دون ضياع حقوق الاخرين، فمثلا، وانا لست خبيرا قانونيا، يمكن توسعة دائرة العفو بخصوص الحق العام، وبخصوص إمكانيات المصالحة في قضايا القتل، وإمكانات المصالحة في قضايا الشيكات، وهنا لابد ان يشار الى ان قضايا الشيكات بحد ذاتها، والقضايا المالية، وقضايا الأجرة، وكل القضايا التي لها جانب مالي، يتوجب الوصول فيها الى حل، بعد ان ثبت ان سجن المدين، او الذي عليه حقوق، لن يؤدي الى سداد الحقوق، لكون السجين، يخسر أساسا فرصته في إيجاد حل، او البحث عن تسوية، او مصالحة، او حتى سداد بالتقسيط او على دفعات، هذا فوق ان هذا النوع من القضايا المالية معرض للتزايد مع التراجعات الاقتصادية في الأردن.
التحذير هنا من امر واحد، تفريغ العفو من مغزاه، أي تحويله الى عفو يشمل فئة قليلة بسبب كثرة الاستثناءات، وبهذه الحالة، سيكون ارتداد العفو سلبيا، بين الناس، وهذا ما يتوجب التنبه له، دون ان تتعرض حقوق الاخرين الى ضرر.
لا يزال هناك وقت امام الحكومة، والنواب والاعيان، من اجل اجراء تعديلات على قانون العفو العام، من اجل ان يشمل اكبر فئة ممكنة، ونحن مجددا لا نطالب باطلاق سراح عتاة المجرمين، بقدر جعل العفو فرصة لعشرات الالاف ان يستردوا حياتهم، وحياة عائلاتهم، بعد ان استعصت الحلول على كل المستويات.