حكومات تتقن فن التواصل الشعبي

  

 

للخروج من أزمة الثقة الراهنة التي تكتنف العلاقة بين الحكومات، والشارع، والذي اكتشف قدرته على التغيير، وأدرك انه صلب العملية السياسية، فلا بد أن تستقي الحكومات برامجها من حاجات الناس مباشرة، وان تجترح الوسائل المفيدة في التواصل الشعبي، وان يتم ايلاء مهمة قيادة المؤسسات لشخصيات تمتلك رصيدا حقيقيا في الشارع، وان تكون الحكومات معبرة عن آمال، وطموحات الشعب، وهذه الحكومات تستطيع أن تحتفظ بتأييد الشارع الذي هو رصيد عملية الحكم، وربما أن فجوة الثقة المتسعة في حياتنا السياسية مردها إلى أن الحكومات التقليدية فشلت في أن تخرج من إطار المباني الرسمية التي تحيط نفسها بها إلى حيث حياة الناس اليومية البسيطة التي تعج بالقصص والحكايات ، والأحلام ، والآمال المعلقة على بوابة الأيام ، والتي هي أخيرا تلخص قصة الوطن بإنسانه الباحث عن حياة أكثر إنسانية، ولم تحدث هذه الحكومات تفاعلا في الروح الوطنية، وأصابت الإنسان الأردني بالإحباط والمعاناة، وعدم القدرة على التواصل مع الدولة والمؤسسات بدون وجود واسطة.

ويمكن للحكومات النوعية التي تستهدف الوصول إلى الناس إلى حيث مواقعهم في دورة الحياة ، الوقوف على ما يعانونه ، أو يؤملونه ، والتأكد مما يلزم تقديمه من خلال آليات اتخاذ القرار المتنوعة.

ولا يتوجب للتواصل فقط رفع شعار الأبواب المفتوحة ، وإزالة بعض الحواجز التي أورثت في قلوب الأردنيين المعاناةً ردحا من الزمن ، أو التكرم الذي يبديه بعض أصحاب المعالي أحيانا بالاستماع لصاحب الحاجة لعدة دقائق، قد لا تكفي لشرح الصورة ، وربما يغيب جانب مهم منها في أروقة المكاتب الرسمية. وإنما بإمكان الحكومات الميدانية أن تخرج إلى مواطنيها ، وقطاعاتهم الإنتاجية التي تحتاج إلى الإسناد، بعيداً عن الإطار البرتوكولي ، وتقصد الظهور الإعلامي ، ويمكن للوزراء أن يتحسسوا بأنفسهم حاجات مواطنيهم ، وآلامهم ، وما يتعب قلوبهم في القرى والألوية والمحافظات خارج إطار العاصمة، وقد تظهر من خلال عملية التواصل مبادرات حقيقية ، وتتخذ القرارات الأكثر صوابا ، والتي قد تساهم في النهوض بواقع الناس الذين قد يجدون صعوبة في اطلاع المسؤولين على أحوالهم من خلال الطريقة التقليدية التي قد لا تتاح إلا لطبقة معينة من الأردنيين ، وربما أن صوت الناس يحجب، ويصادر، ويكبت ، ولا تساعد الحواجز المحيطة بالمسؤولين بوصوله اليهم ، وهي سواتر تتشكل من مدراء المكاتب، والمستشارين، والسكرتيرات وهي مانعة من وصول أصحاب القرار إلى حقيقة أوضاع الناس ، وتؤدي لتضليلهم، وإعطائهم صورة مغايرة، وكذلك فتعمد الإطلالة على أحوالهم تحت التغطية الإعلامية ، والترتيبات المرافقة لجولات المسؤولين يجعل الصورة الخارجة من هذا المشهد مقصودة بحد ذاتها ، ولإضفاء جانب إنساني مختلق على السياسيات الرسمية، وتختفي الأهداف النبيلة المتمثلة بخدمة المواطنين.

يمكن للوزراء إن يتفقدوا أحوال مواطنيهم بطريقة تبرز احتياجاتهم الحقيقية ، وما يلزم فعله لإجراء تغييرات على واقعهم ، ووضع الخطط التنموية المستمدة من مطالبهم الحياتية ، وتعظيم قيمة التواصل السياسي، وجعله سنة حسنة في حياتنا العامة، وكذلك تكليف الإدارات بالمتابعة الفورية ، والاستجابة لمطالب المراجعين الذين لا يعودون يحتاجون عند ذلك إلى وسائط مع مؤسساتهم ، وسيزيد التواصل من تعلقهم بوطنهم، وتتولد المشاعر الوطنية الجامعة الكفيلة بحماية الوطن اذ يصبح الحفاظ على استقراره يساوي الحفاظ على مكتسبات المواطنين، وحقوقهم، وفي التواصل المباشر يطلع المسؤولون على سير العمل في الدوائر التابعة لوزاراتهم ، والتي هي معنية بتقديم الخدمة العامة بطريقة أكثر إنسانية، مما يوفر التأييد الشعبي اللازم لبقائهم في الحكم.

وقد يتنبه المسؤولون بوصولهم إلى المواطنين إلى الكيفية المتبعة في أداء الخدمات العامة ، ومدى ملاءمتها لاحتياجات المواطنين على الوجه الحقيقي. وبذلك تعمل الحكومات على تقييم أدائها ، وتلافي الأخطاء من خلال إطلالتها المباشرة على سير العمل ، وتغدو معبرة على الوجه الحقيقي عن الإرادة الشعبية الحقيقية ، وهي عملية لا تقتضي أكثر من الخروج من دائرة المكاتب الرسمية ، والانفتاح على الشعب في مختلف مواقعه من قبل شخصيات رسمية تملك أبعادا شعبية ، وعندها فقط نصل إلى النسب الحقيقية لأداء عملية الحكم ، ومؤشر الرضا الشعبي الذي هو وحده معيار نجاحها ووصولها لأهدافها المنشودة.