..مشروع القانون المعدل لقانون الجرائم الإلكترونیة الإیجابیات وما یحتاج الى إعادة نظر

 أعلنت الحكومة أخیراً عن نیتھا لسحب مشروع القانون المعدل لقانون الجرائم الإلكترونیة الذي وضعتھ في عام 2017 بعد التزاید الكبیر في عدد الجرائم الإلكترونیة في المملكة، حیث تعاملت وحدة الجرائم الإلكترونیة التابعة لإدارة البحث الجنائي في الأردن مع 5084 قضیة في عام 2017، بنسبة زیادة 39 %مقارنة مع العام 2016 .وإذ نرحب بھذا القرار السدید الذي جاء تلبیة لمطالب الناشطین الحقوقیین، والمجتمع المدني والاعلامیین والمختصین والقانونیین وأخیرا مجلس النواب، لا یمكننا أن ننكر ما جاء في التعدیل من بعض الإیجابیات التي یمكن البناء علیھا وتطویعھا للخروج بصیغة أفضل لمشروع قانون مقبول یشمل تعدیلات إضافیة من شأنھا إثراء القانون وضمان .مواكبتھ لأشكال وأنواع الجرائم الإلكترونیة المستحدثة لعل أھم ما میز مشروع القانون، وأثار حفیظة العدیدین ھو إضافة مادة لتجریم نشر او إعادة نشر ما یعد «خطابا للكراھیة» عبر الشبكة المعلوماتیة او الموقع الالكتروني أو أنظمة المعلومات، وذلك في ضوء تزاید استغلال مواقع التواصل الاجتماعي في إثارة الفتن والنعرات الدینیة والطائفیة والتمییز بین الأفراد والجماعات. لقد أرھبت ھذه الإضافة الكتاب والمدونین والناشطین في مواقع التواصل الاجتماعي لمساسھا بحریة الرأي والتعبیر التي یصونھا الدستور. ویعد ھذا التخوف مشروعاً كون ھنالك حاجة ماسة لمراجعة تعریف خطاب الكراھیة للأخذ بعین الاعتبار «تكرار التحریض على إیذاء الآخر جسدیا أو تفسیا» لاعتبار ما ینشر ھو «بالفعل» خطابا للكراھیة وعدم اعتبار أي انتقاد لفكر أو فعل وإن تطرق لقضایا دینیة أو عرقیة أو طائفیة، خطابا للكراھیة بالمطلق. ولعل من المفید دراسة تجریم نشر المحتوى الالكتروني والفیدیوھات، عبر مواقع التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونیة، التي تحث وتحرض وتشجع الاعتیاد على العنف والقتل، .والتي قد تفوق في خطرھا خطاب الكراھیة وفي سیاق الحدیث عن مكافحة خطاب الكراھیة، وبما أن معظم المواقع الالكترونیة وجمیع منصات التواصل الاجتماعي العالمیة، غیر مرخصة أو مسجلة، وفقا لقانون المطبوعات والنشر كون القانون أعطى المطبوعة الالكترونیة «خیار» التسجیل، وھذا منصف كون ھذه المنصات لیست بالأصل صحفا الكترونیة، وبما أن مشروع القانون المعدل لقانون الجرائم الإلكترونیة لا یجبر الشركات التي تدیر تلك المنصات على حذف أي محتوى مجرما وفق أحكام القانون، فھنالك حاجة ماسة لإصدار «قواعد سلوك» تختص بالتصدي لخطاب الكراھیة عبر الشبكة المعلوماتیة وأنظمة المعلومات أسوة بالمفوضیة الأوربیة التي أطلقت، وبالتعاون مع أربع شركات عالمیة تدیر أھم منصات للتواصل الاجتماعي: فیسبوك، وتویتر، ویوتیوب ومایكرسوفت في منتصف عام 2016 قواعد سلوك للتصدي لخطاب الكراھیة شملت مجموعة من الالتزامات على الشركات لمكافحة انتشار ھذا المحتوى في أوروبا. وقد أظھرت نتائج التقییم الثالث لقواعد السلوك، في بدایة العام 2018 ،أن الشركات ذات العلاقة حققت تقدما كبیرا في متابعة التزاماتھا على جمیع الأصعدة، حیث قامت منصات تكنولوجیا المعلومات بإزالة 70 ٪من محتوى خطاب الكراھیة ُ المبلَّغ عنھ، مقارنةً بـ 59 ٪في التقییم الثاني في منتصف عام 2017 و 28 ٪في التقییم الأول في نھایة عام 2016 .وقد انضمت شركة سناب تشات لقواعد السلوك في منتصف العام الحالي مما یثبت فعالیتھا واھتمام منصات .التواصل الاجتماعي العالمیة في تحقیق أھدافھا، وإن كانت لا تخضع فعلیا للمنظومة القانونیة المجرمة لخطاب الكراھیة في تلك الدول وبالرجوع الى مشروع القانون، یجدر الذكر أن تخصیص مواد جدیدة لتجریم الابتزاز باستخدام الشبكة المعلوماتیة او اي نظام معلوماتي  اخر أو الموقع الإلكتروني وتعظیم تجریم الاحتیال الالكتروني عبرھم، یعد إضافة جیدة، لیواكب مشروع ھذا القانون الجرائم المستحدثة. إلا أنني لا أتفق مع إضافة مادة لتجریم استخدام الشبكة المعلوماتیة أو نظام معلوماتي أو الموقع الإلكتروني لخرق الحیاة الخاصة للآخرین، وإن كان بناء على شكوى المتضرر، فتعریف حدود الحیاة الخاصة فضفاض والأجدر أن یعالج ھذا الأمر ضمن قانون خاص، للخصوصیة وأمن المعلومات، یحدد فیھ ما ھو عام وخاص بالتفصیل مع الأخذ بعین الاعتبار نظام حمایة البیانات العام الذي أخذ حیز التنفیذ في دول .الاتحاد الأوروبي في أیار ھذا العام لا أتفق كذلك مع المادة المتعلقة بتجریم الذم والقدح والتحقیر عبر الشبكة المعلوماتیة أو الموقع الإلكتروني أو أي نظام معلومات، والتي أضیفت على القانون عند إقراره بشكلھ الدائم عام 2015 ،في حین خلا منھا القانون المؤقت الذي صدر عام 2010 ،والذي وضع في الأصل لتجریم الجرائم الالكترونیة المستحدثة، ولیس للحد من حریة التعبیر كما اعتقد المعظم بعد إضافة المادة لاحقاَ، علما بأن القانون المؤقت في الأصل احتوى فقط على مادة عامة تجرم ارتكاب أي جریمة معاقب علیھا بموجب أي تشریع نافذ باستخدام الشبكة المعلوماتیة أو أي نظام معلومات أو موقع الكتروني أو الاشتراك أو التدخل أو التحریض على ارتكابھا، دون تحدید قضایا القدح والذم والتحقیر، لغلق باب التأویل وترك تحدید ما یعد قدحا أو ذما أو تحقیرا لقانون العقوبات النافذ. آمل أن یعود الحال الى ما كان علیھ بخصوص ھذه المادة، حتى لا یساء الظن بھذا القانون، وللتأكید على الأھداف التي وضع من أجلھا في عام 2010 ،والتي شملتھا مذكرة إیضاحیة شاملة نشرت .في حینھ وفي سیاق الحدیث عن الجرائم المستحدثة والتعدیلات المقترحة على القانون، آمل مراجعة مشروع القانون المعدل وإضافة مواد جدیدة، في وھو استخدام الشبكة المعلوماتیة أو أنظمة المعلومات والاتصالات bullying-cyber مشروع القانون، تتطرق لتجریم التنمر الالكتروني من خلال الشبكة grooming-online بھدف إیذاء أشخاص آخرین بطریقة متعمدة ومتكررة وعدائیة وتجریم استمالة القصر وإغوائھم المعلوماتیة أو أنظمة المعلومات ولا یقتصر ھذا على نشر مواد إباحیة أو مواد تتعلق بالاستغلال الجنسي بشكل مباشر وإنما استھداف ،stalking-cyber» القصر لاستغلالھم جنسیا لاحقا أو الاتجار بھم. وكذلك إضافة مواد جدیدة لتجریم «التربص أو المطاردة الالكترونیة والتي قد تعد نوعا من جرائم التنمر الالكتروني، مع الأخذ بعین الاعتبار عند تعریف ھذا النوع ممن الجرائم مجموعة من العناصر ألا وھي الترھیب، والتھدید، والإساءة، والتكرار. والجدیر بالذكر، أن ھذا النوع من الجرائم، یقترن عادة، بجرائم القدح والذم والتشھیر أو التعقب .وسرقة الھویة أو التھدید والاستغلال الجنسي أو تجمیع المعلومات بھدف التھدید أو الإیذاء إن من إیجابیات مشروع القانون تجریم الاستغلال الجنسي بواسطة أنظمة المعلومات والشبكة العنكبوتیة بالمطلق ولیس فقط استھداف من لم یكمل الثامنة عشرة من العمر او المعوق نفسیا او عقلیا، مع الأخذ بعین الاعتبار تغلیظ العقوبة عند استھاف ھاتین الفئتین. ویعتبر ھذا التعدیل المقترح ایجابیا كون ھذا النوع من الجرائم یطول الجمیع، ولا سیما النساء بغض النظر عن العمر او الحالة النفسیة أو العقلیة. وكذلك الحال في قضایا تسھیل وترویج الدعارة. إلا أنھ وبما أن المادة ذات العلاقة أصبحت عامة، وجب تحدید وتعریف «الأنشطة والأعمال الاباحیة»، وكذلك «الأنشطة التي من شأنھا التأثیر أو التوجیھ أو التحریض على ارتكاب جریمة»، كون إدراك البالغ العاقل الذي تجاوز عمره الثامنة عشرة والسوي نفسیا، لتلك الأنشطة والتأثیر علیھ من خلالھا مختلف. وقد تكون المادة الحالیة التي تجرم استخدام الشبكة المعلوماتیة أو أي نظام معلومات أو موقع الكتروني للاشتراك أو التدخل أو التحریض على جرائم معاقب علیھا بالتشریعات النافذة تفي بالغرض، ولا حاجة لفتح المجال للاجتھاد بخصوص الأعمال الإباحیة والتحریض على ارتكاب جریمة، فالھدف ھو تجریم استغلال .تكنولوجیا المعلومات لاقتراف أفعال جرمیة محددة وتغلیظ العقوبة إن استھدفت الأفعال القصر بشكل عام آمل أن یكون ما ذكرت من ملاحظات، مجدیا، وأن تؤخذ ھذه المقترحات على محمل الجد، لتبقى تشریعاتنا الالكترونیة الأردنیة عصریة، .تواكب كل جدید في مجال أنظمة المعلومات والجرائم الالكترونیة y.abdel-samad@shu.ac.uk مركز التمیز لأبحاث الإرھاب والمرونة والاستخبارات والجریمة المنظمة - المملكة المتحدة