لماذا تأخرت اسرائيل في شن حرب في المنطقة؟
لماذا تأخرت اسرائيل في شن حرب في المنطقة؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدكتور: رشيد عبّاس
المتتبع للسجل التاريخي الشرس للحروب التي خاضتها اسرائيل في المنطقة يجد دون ادنى شك ان اسرائيل قد تأخرت نوعا ما في شن حرب في المنطقة, مع عدم رغبة جميع الاطراف في شن مثل هذه الحروب, بالتأكيد هناك جملة من الاسباب الداخلية والخارجية لدى الاسرائيليين قد ادت الى مثل هذا التأخير النسبي, تأخير يصاحبه شيء من الاستعدادات المادية والمعنوية لدى الاسرائيليين لشن مثل هذه الحرب في المنطقة, في الوقت نفسه تعي اسرائيل تماما ان الجندي المقاتل لديهم تنطفأ استعداداته المعنوية بعد مرور عدد معين من السنوات اذا لم يدخل هذا الجندي اية معركة, حتى لو كانت هذه المعركة محدودة الجغرافيا ومحددة الاهداف.
دعونا نتوقف هنا عند تيار جديد في اسرائيل يسمى تيار (الجيل الجديد) من الاسرائيليين, ولا نبالغ ان قلنا ان تيار الجيل الجديد من الاسرائيليين ليس لديه عقيدة قتالية واضحة المعالم كما كانت عند تيارات الجيل الذي سبقهم, ولا نبالغ ان قلنا اان تيار الجيل الجديد ايضا لا يعرف بالضبط من هو عدوه كما كان يعرفه تيارات الجيل الذي سبقهم, وهذا الامر قد تنبه له كثير من الجنرالات العسكرية عندهم هذه الايام,..تيار الجيل الجديد لدى الاسرائيليين لا يعتبر ان هناك تأخير في شن حرب جديدة في المنطقة كسلسلة متوالية من الحروب التي تخوضها اسرائيل ضد جيرانهم العرب, انما يرى انه لا لزوم لها على الاطلاق, وربما ينظر هذا الجيل الجديد الى المنطقة التي يعيشون عليها (فلسطين) كمنطقة مكملة اقتصاديا لباقي الدول المجاورة.
المناهج والايدولوجيات الدينية في اسرائيل فشلت بشكل عام في بناء جيل جديد مرتبط بالأرض والحرب لديهم, في الوقت نفسه دللّت بعض الدراسات والابحاث ان تيار الجيل الاسرائيلي الجديد ينظر الى افق اقتصادي اقليمي خارج حدود (فلسطين) كمصلحة قوميه لديهم, فقد اصبح مفهوم التكامل الاقتصادي الاقليمي طاغيا على الارتباط بالأرض والحرب كما كان سائدا عندهم, وهذا عكس ما كان عليه الجيل السابق الذي كان يؤمن ايمانا مطلقا بالأرض والحرب معا لبقاء دولة اسرائيل.
تيار الجيل الجديد صاحب النظرية الاقتصادية الاقليمية في المنطقة في دولة اسرائيل, ينظر الى ان قادته التقليدين امثال (اسحاق شامير, جولدا مائير, مناحيم بيجن, أرئيل شارون,...) قد اماتوا دولة اسرائيل للابد من خلال ارتباطهم بالأرض والحرب معا وتركهم لنظريات التكامل الاقتصادي الاقليمي في المنطقة ككل, ولم يتنبهوا ان دولة اسرائيل ستُخنق اقتصاديا في قادم الايام من دول المنطقة, نعم تأخرت اسرائيل في شن حرب في المنطقة لوجود تيار جيل جديد براجماتي يؤمن بان التمسك بالأرض وشن الحروب على دول المنطقة لا يمكن ان يحقق الاقتصادية التكاملي المنشود لديهم على المدى البعيد.
اسرائيل معنية كل العناية بالتصالح مع تيار الجيل الجديد عندهم, وقبل التصالح مع هذا الجيل الجديد عليهم الاقتناع التام بان هناك حقوق مشروعة وموثّقة للشعب الفلسطيني في فلسطين, هذه الحقوق لا يمكن باي شكل من الاشكال التغاضي عنها او تجاهلها او حتى القفز عنها, وان الحروب السابقة التي شنّتها دولة اسرائيل في المنطقة ما هي الا (حرب كرتون) بائسة يائسة لم تحقق فيها اية هدف يذكر,..وعلى العكس فان مثل هذه الحروب قد شكّلت لديهم جيل جديد يؤمن ان هناك شعب فلسطيني له الحق كل الحق في ارض فلسطين, وان هناك دول في المنطقة اقوياء لم تعد شن الحروب تقلقهم او تخيفهم,..نعم دول في المنطقة يؤمنون بــ(إنما النصر صبر ساعة) اذا جد الجد.
والسؤال المطروح هنا هو, متى ستتعامل دول المنطقة مع هذا التيار الجديد والذي سيخرج منه ساسة وقادة اسرائيليون يؤمنون بالاقتصاد الاقليمي اكثر من ايمانهم بالأرض والحرب؟ الجواب عند حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه الكاملة والمشروعة في فلسطين, وغير ذلك يبقى الوقت ضائعا ومهدورا لدى الجميع.