شغب بيروقراطي ضد تعديلات الدستور الملكية من داخل النظام وليس المعارضة واتجاهات معاكسة داخل الحكومة
بسام بدارين - عندما وضعت لجنة الحوار الوطني الأردنية الشهر الماضي صياغتها لنظام الإنتخاب الجديد الذي يشكل إنقلابا على قانون الصوت الواحد المعتمد منذ عام 1993، سرب أحد الوزراء في حكومة الرئيس معروف البخيت لرئيس وأعضاء اللجنة النبأ غير السار وهو أن التفاضل العددي للكلاسيكيين في اللجنة السياسية لمجلس الوزراء ليس في صالح المعادلة التي إقترحتها اللجنة.
ولم يقف الأمر عند هذا الأمر فقد تعامل رئيس اللجنة طاهر المصري وقتها مباشرة مع موقف ثائر لبعض أركان مجلس النواب الذين إنتقدوا اللجنة على أساس أنها تسعى لمجاملة الأخوان المسلمين.. بعضهم قال للمصري مباشرة: توصياتكم لن تمر وسنتصدى لها.
لاحقا جامل رئيس مجلس النواب فيصل الفايز النواب الغاضبين والخائفين على فرصهم إذا ما إعتمدت قوائم التمثيل النسبية في الإنتخابات المقبلة واعلن الرجل - أي الفايز- هذه المقترحات من الصعب عبورها تشريعيا ولا بد من الإستفتاء بشأنها.
وفي وقت متأخر فكر رئيس الحكومة معروف البخيت بإحباط مشروع اللجنة في قانون الإنتخاب مباشرة عبر إقتراح نظام إنتخابي بديل وفورا وتسويقه على أساس رفض الإسلاميين أيضا لمقترحات اللجنة التي تجاملهم في الأساس.
ثم قرر مطبخ البخيت الإستدراك وإعتماد توصية وزير الداخلية المسيس المعارض سابقا مازن الساكت فقد قدر المطبخ بأن التصدي علنا لتوصيات اللجنة سيمكن المصري من اللجوء والشكوى للقصر الملكي الذي وعد بتوفيرغطاء للتوصيات كما سيمكن رفاق المصري في اللجنة من النشطاء من اللجوء للشارع للتحريض ضد الحكومة.
هنا برزت الفكرة العبقرية التي روجها الساكت وأعجبت البخيت وقوامها: ينبغي ان تظهر الحكومة متعاونة ولا تعيق مشروع لجنة يترأسها المصري ومليئة بالنشطاء من ذوي الصوت المرتفع وعلينا في الحكومة ان نمرر المشروع للبرلمان ونترك مهمة التصدي للتوصيات لأعضاء مجلس النواب الغاضبين الذين يمكنهم إحباط الإصلاحات بنسختها الأخيرة بإسم التمثيل الشعبي.
وعلى هذا الأساس تحركت الحكومة بنوايا سلبية ومدفونة ضد نظام الإنتخاب المقترح وعملت بالكواليس مع المتعاونين معها من كبار أركان لعبة التشريع وحولت للبرلمان توصيات اللجنة كما أرسلت لها على ان تحصل الإعاقة عبر النواب المتحفزين، ليس فقط لان التوصيات تضر بمصالحهم، ولكن أيضا لان رئيسهم الفايز يبشرهم دوما بقرب حل البرلمان كلما قطعوا شوطا في التعاون مع تشريعات الإصلاح.
والمعادلة هنا على الأقل للنواب أصبحت واضحة فكلما أنجزت تشريعات الإصلاح كلما إقتربوا من شبح الإنتخابات المبكرة وبالتالي الذهاب إلى بيوتهم والعودة مجددا لمقاعد الجمهور وكلفة الإستعداد للحملة الإنتخابية اللاحقة.
وحتى الآن يبدو أن المصري الذي وصلته تسريبات حول تآمر الحكومة سياسيا على توصيات لجنته ينجح في الهمس بإذن أصحاب القرار وضمان عبور آمن لتوصياته خصوصا وان توصيات لجنته ستدخل دائرة الإستحقاق فور التصويت برلمانيا على التعديلات الجديدة للدستور.
اليوم ورغم ان طبخة التعديلات طهيت بمهارة وذكاء ومرونة ثمة داخل الصف الحكومة من البيروقراطييبن من يقترحون التعامل مع التعديلات بنفس الطريقة التي إعتمدت نكاية بخطة لجنة الحوار الوطني ..المعنى تمريرها كما عبرت من اللجنة الملكية والإتفاق مع بعض المشاغبين من النواب على التصدي بطريقة مباشرة لإعتماد معايير الحكومة.
وذلك يثبت للمرة الألف بأن الماكينة البيروقراطية في الدولة والحرس القديم في الحكومة لا زالا يملكان هوامش المناورة لإعاقة حتى التعديلات الأساسية التي وافق عليها القصر الملكي فالملاحظات السلبية والأقسى ضد تعديلات الدستور الملكية هي حصريا تلك التي تصدر من رجال الحكم ونخبة الحكم والحرس القديم خصوصا من الذين قرروا المشاغبة ببساطة لإنهم ليسوا أعضاء في لجنة تعديلات الدستور