المسؤولية الاجتماعية للبنوك في منتصف 2011 ... عطاء متجدد ومتحفظ

تحتل المسؤولية الاجتماعية للشركات والبنوك اهتماماً متزايداً من إدارات الشركات سنة بعد سنة. فثقافة العطاء والتطوع وأعمال الخير ودعم المجتمع المحلي باتت متجذرة أكثر فأكثر لدى مؤسسات القطاع الخاص، لا سيما وأنها أصبحت تشكل احدى المعايير لتقييم أداء الشركات والبنوك، الى جانب المعايير المتعلقة بجودة الانتاج ونوعية الخدمة ومستوى الأسعار وتحقيق الأرباح وغيرها.
وهكذا، نجد البنوك الأردنية تسجل وللمرة الأولى، دخولها في منافسة وتباري بين بعضها البعض، ليس على حجم الودائع ومستوى المداولات في السوق المالي، بل على مبادرات العطاء الاجتماعي وبرامج المسؤولية الاجتماعية التي أصبحت تشكل ركناً أساسياً من أعمال البنك، بل أصبحت تُرصد لها الموازنات الخاصة بها وتُعين لها الدوائر والكوادر المتخصصة في هذا الموضوع، الى جانب التواصل المؤسسي مع الإعلام حول هذه البرامج الاجتماعية.
فمن رصد الأعمال والأنشطة الاجتماعية التي نفذتها البنوك الأردنية على مدار الأعوام السابقة، يلاحظ حصول نقلة نوعية وكمية في المبادرات الاجتماعية التي تبنتها البنوك في النصف الأول من العام الجاري 2011. فبمقارنة المسؤولية الاجتماعية للبنوك في النصف الأول من عام 2011، بالنصف الثاني من العام الماضي 2010، يلاحظ العديد من التطورات:
ارتفع عدد البنوك التي تبنت مبادرات اجتماعية من 11 بنكاً في النصف الثاني من عام 2010، الى 13 بنكاً في النصف الأول من 2011، بعد دخول بنكين جديدين على مسار البنوك المسؤولة الاجتماعية، لتشكّل هذه البنوك نسبة 81% من البنوك الأردنية، بعد ان كانت نسبتهم 69% في فترة النصف الثاني من عام 2010.
الملاحظة الثانية الجديرة بالاهتمام هي مجموع عدد المبادرات الاجتماعية التي نفذتها البنوك في الأشهر الستة الأولى من 2011، والتي ارتفعت بشكل قياسي من 64 مبادرة في النصف الثاني من عام 2010 الى 83 مبادرة، أي بنسبة 30%. ويأتي هذا بخلاف الاعتقاد السائد بأن الأنشطة الخيرية للشركات تتزايد وتنشط في شهر رمضان المبارك، فقد أثبتت القراءات ان الممارسات الاجتماعية انما ازدادت في الفترات التي لم يقع شهر رمضان خلالها.
وفي سياق متصل، لوحظ حصول تناقلات كبيرة في مراتب البنوك من حيث تصدرها للعدد الأكبر من المشاريع الاجتماعية، حيث ارتفع احد البنوك من المرتبة السادسة الى المرتبة الثانية من جهة عدد الأنشطة الاجتماعية. من جانب آخر، من المهم الإشارة الى ان 55% من مجموع المبادرات الاجتماعية التي نفذتها البنوك في النصف الأول من 2011، جاءت بمبادرة من ثلاثة بنوك فقط.
ومن حيث مجالات وقطاعات المسؤولية الاجتماعية، تركزت أكثر من نصف المشاريع الاجتماعية للبنوك في النصف الأول من عام 2011 في مجالين اثنين، هما أولاً: رعاية الفعاليات، وتشمل المؤتمرات والمحاضرات والمسابقات، حيث توجهت 30 مبادرة من أصل المبادرات الـ 83 الى مجال الرعاية، وبواقع 36% من مجموع المبادرات، وثانياً: مشاريع تنمية المجتمع المحلي، والتي عددها 16 من أصل 83 مبادرة، مشكّلة ما نسبته 19% من المبادرات. ولوحظ تراجع الاهتمامات بمواضيع العنف والصحة والحوادث المرورية، في حين حلت مكانها البرامج الشبابية والبيئية. هذا، وتوزعت بقية المشاريع والبرامج الاجتماعية على ستة قطاعات، هي: موظفي البنك بنسبة 12%، الطفولة 11%، المدارس 7%، الثقافة 5%، البيئة 4%، وعملاء البنك 4%.
كما حصلت تغيرات نوعية على أسلوب نشر البنوك لأعمالها وأنشطتها الاجتماعية، والتي حدثت عبر الأشهر الستة الأخيرة فقط. ففي حين كانت البنوك كافة ودون استثناء تدرج برامجها الاجتماعية تحت بند "الأخبار" على مواقعها الإلكترونية، وتضمّنه جميع أخبارها المتعلقة بافتتاح الأفرع الجديدة الى طرح برامج تمويلية وخدمات مصرفية وإعلان النتائج المالية السنوية وغيرها، ولا تذكر تواريخ تنفيذ المشاريع الاجتماعية، أصبحت معظم البنوك تعير الاهتمام الكبير الى أسلوب النشر عن أخبارها وأعمالها الاجتماعية، فأخذت تحرص على تدوين النشاط وتثبيت تاريخه وهدفه والجهة المستهدفة منه. الى جانب ذلك، سجل احد البنوك سابقة بإفراد بند خاص بمسمى "المسؤولية الاجتماعية" على موقعه الإلكتروني، يدوّن فيه فقط النشاطات المتعلقة مباشرة بالعمل الخيري والعطاء والتبرعات.
في خضم ذلك كله، يبقى السؤال المُلِح: هل هذه البرامج هي فعلاً برامج العطاء والتطوع وخلق القيمة الاجتماعية والمساهمة في المسؤولية تجاه المجتمع؟ في ظل اتساع حدة الفقر وانتشار جيوب الفقر وتآكل الطبقة المتوسطة في المجتمع وتزايد العاطلين عن العمل، هل تتمثل المسؤولية الاجتماعية فقط في رعاية المؤتمرات، أم تتعداها الى ما هو أكثر استدامة وأكبر تغييراً وأعمق أثراً  في المجتمع؟
فيبدو من القراءة أعلاه أن البنوك راغبة في توسيع نشاطها الاجتماعي ومؤمنة بأهمية دور العطاء في المجتمع، لكن بتحفظ. فهناك انتشار كبير في المبادرات الاجتماعية، لكن أكثر من ثلثها متركز في رعاية المؤتمرات. ورغم كل ما تنطوي عليه من دعم البنوك للحركة الثقافية والعلمية والرياضية، وبكل مع تتضمنه من تخصيص لمبالغ باهظة، إلا أن اختيار هذه المبادرات التي ينتهي أثرها بانتهاء الحدث او النشاط، إنما يؤشر حالة من التردد والتحفظ في طرق الأبواب الاجتماعية التي تستهدف تحقيق الأثر الملموس وخلق القيمة الاجتماعية مستدامة.
فهل البنوك معنية بإحداث الأثر الإعلاني والدعائي الآني، أكثر من مساهمتها بالدعم الحقيقي للمجتمع؟ أم هل غياب الثقة بالمؤسسات الوسيطة التي توصل الدعم الى الفئات المستهدفة يجعل البنوك تتحفظ في أدائها لتقصر معظمه على الرعاية؟ هل بالإمكان إعادة تخصيص أموال الرعاية لضخها في قنوات اجتماعية اكثر مؤسسية وأطول استدامة، أم هل تستنفذ هذه البرامج كوادر ووقتاً وجهداً كبيراً في المتابعة؟ الأسئلة كثيرة، لكنها لا تقلل من تقديم التحية للبنوك في عطائها المتدفق في الميدان الاجتماعي، وتقديمها مثالاً على القطاع الخاص المسؤول اجتماعياً.
 
* مديرة مركز بصر لدراسات المجتمع المدني