هوامش على التعديلات الدستورية المقترحة

 

 

 


منذ نحو شهرين من الزمان تناهى إلى سمعي بعض من التعديلات الدستورية التي كانت اللجنة اقترحتها، وفوجئت عندما أعلن الملك عن التعديلات بأنها أقل مما تناهى إلى سمعي آنذاك!

بالعودة إلى مصادري بهذا الشأن، تبين لي أن هناك من يعترض على أي تعديلات دستورية، بل إنه يقف سدا منيعا أمام أي تحول ديمقراطي حقيقي في بلادنا، حفاظا على مكانته ومكتسباته، أكثر من ذلك، يبدو أن رأس الدولة يتبنى مقترحات أكثر تقدمية في هذا الشأن، لكنه يشترط التوافق عليها، ويبدو أن كفة قوى الشد العكسي رجحت بعض المقترحات، فيما افلتت منها مقترحات أخرى، لم تستطع أن توقفها!

التعديلات الدستورية اشتملت على مقترحات في غاية الأهمية، وهي تحتاج إلى نقاش مستفيض من قوى المجتمع ونخبه، فالتعديل الدستوري لا يتم كل يوم، بل قد تمر عقود طويلة قبل أن يمس الدستور بتغيير حرف واحد، ونحسب أن حصر إقرار التعديلات الدستورية بمجلس الأمة فيه نوع من الخروج عن المألوف، ذلك أن إجراءً تشريعيا بهذا الوزن، لا يستقيم حصره بمجلس مختلف عليه، كونه تم انتخابه وفق قانون ملتبس، وفي حده الأدنى لا يحظى بقبول الجميع، ومطعون في نزاهته وفي قدرته على فرز نواب أمة، لذا ثمة من يرى ضرورة ملحة أن يتم اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي لإقرار التعديلات، بعد خضوعها لعملية إقرار أولي من أكثر من جهة شعبية منتخبة.. منها مجلس النواب.

ردود فعل النخب الشعبية كان متباينا، وإن غلب عليها التحفظ، فيما حظيت التعديلات بتصفيق من اعتاد التصفيق، وامتدحها كثيرون على علم ودراية، وانتقدها آخرون، وبين هذا وذاك، لفت نظري كمتابع جملة من المسائل.. أوجزها تاليا..

أولا/ فيما يخص (المادة33 /2) فقد سمحت لمجلس النواب بعقد معاهدة تؤدي إلى تعديل في أراضي الدولة أو نقص حقوق سيادتها، مع أن المادة الأولى في الدستور تقول بأنه لا يجوز التنازل عن أراضي الدولة وسيادتها نهائيا، واللافت أن البعض أثار مخاوف بأن تكون هذه المادة توطئة للتنازل عن السيادة الأردنية على الباقورة والأراضي الواقعة تحت السيطرة الصهيونية في وادي عربة، فضلا عن إضفاء شرعية دستورية نهائية على قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية الذي جاء مخالفا للمادة الثانية من الدستور، كما يرى فقهاء قانون!!

ثانيا/ وقد اعتبر حقوقيون وقانونيون أن اقتراحات اللجنة الملكية المكلفة مراجعة نصوص الدستور، وبرغم ايجابية عدد من التعديلات، لا تواكب العصر، مؤكدين أن التعديل شكل الحد الأدنى من المقبول للدستور ووضعه الأسبق بحيث انه لا يشكل قفزة إلى الأمام.

ثالثا/ إنشاء محكمة دستورية كان مطلبا قديما (المادة 59) ، وها هو يتحقق عبر التعديلات الدستورية، لكن هناك اتفاق على أهمية عدم تعيين أعضاء المحكمة، لأن الأصل أن يكون الأعضاء مسميين من خلال مواقعهم، حيث تشكل المحكمة من ثلاثة أقسام: قسم يتم تسميته من قبل الحكومة، وقسم من قبل النواب، وقسم ثالث ممن شغل منصبا سابقا آخر رئيس للحكومة، وآخر رئيس لمجلس النواب، وآخر رئيس للسلطة القضائية، وهؤلاء يشكلون نصف قضاتها، بينما النصف الثاني يكون من أقدم قضاة محكمة التمييز والعدل العليا، وتكون رئاسة المحكمة لرئيس السلطة القضائية القائم.

رابعا/ لم تلغ التعديلات المقترحة محكمة أمن الدولة (المادة 111 )، ما يبقي الظلم الواقع على قضايا الإرهاب ضمن اختصاصها، لا سيما في ظل التعريف المطاطي وغير المحدد لمفهوم الإرهاب. وقد علمت فيما مضى أن التعديلات كانت تتضمن إلغاء لكل المحاكم غير المدنية والاستثنائية، إلا أن هذا الأمر لم يتم، والحقيقة ان أي ديمقراطية لا يستقيم شأنها في ظل وجود محاكم غير مدنية تحاكم مدنيين!

خامسا/ يؤكد الدستور أن الشعب مصدر السلطة، إلا أن مجلسا تشريعيا بالتعيين كمجلس الاعيان يمس هذه الروح، لقد كان مقبولاً تعيين هذا المجلس في العام 1952 في ظروف كان التعليم فيها محدودا، لكن بعد أن أصبحت نسبة حملة الشهادات في الأردن أعلى بكثير من دول أوروبا، فنحن لا تتصور مجلساً تشريعيا يمثل الشعب عن طريق التعيين وقد هجرت دول العالم هذا الأسلوب منذ أمد طويل!

سادسا/ فيما يتعلق بالمادة 56 الخاصة باتهام الوزراء من قبل المجلس النيابي ومن خلال تصويت أكثر الأعضاء، نرى بعد التجربة انها غير مناسبة، خاصة بعد ان تابعنا قضية الكازينو، وخضوع عملية الاتهام لصفقات واتفاقات سياسية، وهو امر لا يمت إلى العدالة بصلة، ونحسب أن الأصل أن الوزير شأنه شان اي مواطن يتهم بنفس الطريقة التي يتهم فيها المواطن من خلال الادعاء العام!!



hilmias@gmail.com