منصور يكتب: التعديلات الدستورية بين الواقع والطموح
التعديلات الدستورية المقترحة من اللجنة الملكية لمراجعة الدستور تضمنت تعديلات ايجابية لا يجوز إغفالها، بل ينبغي التأكيد عليها باعتبارها جزءاً من مطالب الشعب الأردني، الذي لم يتوقف منذ بداية الحراك الشعبي المتواصل عن المطالبة بها، ولعل أهم تعديل في الدستور هو كسر حاجز الخوف من المناداة بتعديل الدستور، هذا الخوف الذي سكن قلوب الكثيرين ممن تبوؤوا أرفع مواقع المسؤولية في الدولة في غياب المعايير الديموقراطية للوظيفة العامة، فكانوا ينتفضون في وجه من يشير ولو اشارة خجولة الى تعديل الدستور، زاعمين أن قدسية الدستور لا تسمح بمجرد مسه وكأنه وحي يوحى!
اليوم وبعد هذه التعديلات المقترحة من شخصيات أسهمت في ادارة شؤون الدولة الأردنية وبعضها لعقود خلت لم يعد من حق أحد كائناً من كان أن يعترض على تعديل الدستور، فالدستور هو تعاقد بين الحاكم والمحكوم، ومن حق المحكوم الذي هو الشعب، والذي هو مصدر السلطات بنص الدستور نفسه، أن يعيد النظر في هذا التعاقد، في ضوء التجربة الوطنية والانسانية، وفي ضوء التحولات الكبرى التي يشهدها الوطن والمنطقة.
وانطلاقاً من هذه القاعدة، قاعدة كسر حق احتكار الدستور نقول: إن التعديلات جاءت في بعضها ملبية لمطالب الاصلاحيين، فلا أحد ينكر أهمية انشاء محكمة دستورية، وهيئة مستقلة لإدارة العملية الانتخابية، ومحاكمة الوزراء عما صدر عنهم من خلال أدائهم لوظيفتهم، أو تقييد دور الحكومة في اصدار القوانين المؤقتة، أو الطعن بصحة النيابة أمام القضاء . فكل ذلك وغيره موضع احترام، ولكن من حق المواطن الذي هو الطرف الأول في التعاقد أن يطالب بازالة التناقض بين النصوص الدستورية، ومن حقه أن يتساءل كيف نوفق بين النص الدستوري (الأمة مصدر السلطات) والامتناع عليها اختيار حكومتها، إن غياب النص الدستوري على حق الأغلبية النيابية في اختيار الحكومة، التي ستضطلع بإدارة الشؤون الداخلية والخارجية للدولة ثغرة كبيرة في الدستور، بل هدم لركن (الأمة مصدر السلطات).
إن كثيراً من الاختلالات والعذابات التي يعاني منها شعبنا ترجع الى طريقة تشكيل الحكومات، والى المعايير التي يستند اليها اختيار المسؤولين، فالمسؤول أهم من النص -على أهمية النص- فالمسؤول عن تطبيق التشريعات ليس أقل أهمية من التشريعات ذاتها. فتشكيل الحكومة حق للشعب من خلال ممثليه، وأما القضية الثانية، والتي توازي القضية الأولى في أهميتها، فهي الإبقاء على تعيين الحكومة لمجلس الأعيان، ومجلس الأعيان، وفقاً للدستور النافذ هو الشق الثاني لمجلس الأمة، بل يحتل المرتبة الأولى فيه، ويحتل الحديث عنه في الدستور موقعاً متقدماً على مجلس النواب. إن مجلس أعيان غير منتخب من الشعب لا يجوز بحال أن يكون ممثلاً للشعب، وجزءاً من السلطة التشريعية، إن الابقاء على تعيين مجلس الأعيان يتناقض مع النص الدستوري (الأمة مصر السلطات)، كما يتناقض مع الأعراف الدولية في معظم أقطار العالم، فإما أن يكون منتخباً من الشعب، وعندها يكون جزءاً من السلطة التشريعية وإما أن يحسب على سلطة أخرى غير السلطة التشريعية.
أما القضية الثالثة، وأختم بها، لأن مقالة صحفية لا تسمح باستقصاء كل القضايا التي أغفلت أو قفزت عنها اللجنة الملكية لمراجعة الدستور، فهي المحاكم الخاصة، وفي مقدمتها محكمة أمن الدولة، فالأردن في العشرية الثانية من الألفية الثالثة، وبعد التقدم العلمي والمعرفي الذي حققه شعبه، حري به أن يتخلص من المحاكم الخاصة، وأن يعاد هذا الحق للسلطة القضائية، مستذكرين أن محكمة أمن الدولة مسؤولة عن كثير من التوتر الذي يشهده بلدنا، ولا سيما في ظل التوسع في تفسير الارهاب، الذي أصبح مظلة لمحاسبة المواطنين على النوايا والأشواق الروحية.
إن الاصرار على وجود محكمة أمن الدولة يشكل انتقاصاً من استقلالية القضاء، وحتى مع حجة خصوصية بعض القضايا، فان هذه الحجة تسقط أمام تشكيل هيئة خاصة في المحاكم النظامية للتعامل مع هذه القضايا.
وأخيراً لقائل أن يقول إن هذه خطوة على طريق اصلاح دستوري شامل، ومع موافقتنا على أنها خطوة، لكننا نعيش لحظة تاريخية، تسمح بل تحتم القيام بإصلاحات دستورية تنسجم مع التحولات الكبرى التي تشهدها المنطقة، ومع التحديات الكبرى التي تواجه الوطن.