كـیـف یُـمـنـع الـفـساد

 یعتقد كثیر من الناس ّ أن الفساد یعني السرقة والرشوة وسوء استخدام السلطة فقط، غیر ّ أن مفھوم الفساد أوسع من ذلك بكثیر، وصوره لا تكاد تحصى، وإذا فسد الشيء فإنھ لا یعود صالحاً، كالطعام والشراب والھواء، وكذلك المسؤول أو الموظف أو أي شخص مكلف ّ بمھمة، فمنھم من یصلح لھا ومنھم من لا یصلح، والذي لا یصلح منھم للقیام ّ بالمھمة فھو فاسدٌ ْ وإن لم یقم بالسرقة .أو یحصل على رشوة ّ إن مصدر الفساد في أي مؤسسة ھو في تعیین أناس في مواقع أو وظائف لا یستطیعون إدارتھا أو القیام بھا، وقد ّ یظن كثیر من الناس أو خبراء الإدارة أن حصول الشخص على شھادةٍ ما یكفي لتعیینھ في وظیفة أو موقع یناسب شھادتھ، ومع أنني لا أنكر ّ أن الشھادة التي یحملھا الشخص ھي ٌ معیار أساسي من معاییر تعیینھ ھنا أو ھناك، إلاّ أنني أرى ّ أن الشھادة وحدھا لا تكفي، إذ ّ إن ّ ثمة شروطاً ومواصفات ّ خاصة ّ لكل وظیفة أو ّ مھمة یكلّف بھا الشخص، فإذا كانت الوظیفة مالیّة، فلا یكفي أن یكون المرشح لھا حاصلاً على شھادة في المحاسبة، إذ لا بدّ من شروط یمتلكھا المرشح كالدقّة والقدرة على التركیز والأمانة، وھذه شروط لا یجوز التنازل عن أي واحد منھا، ّ لأن افتقاد ّ أي منھا قد یكون ّ مدمراً للشركة أو ّ المؤسسة التي یعمل بھا .الموظف وإذا كانت الوظیفة تتطلب السریّة المطلقة، فلا یجوز الاكتفاء بحصول المرشح لھا على شھادة في الإدارة أو في التربیة أو القانون أو ّ الطب مثلاً، بل لا بدّ إلى جانب ذلك من التأكد من أمانة ّ المرشح ومحافظتھ على أسرار الناس أو أسرار العمل، ّ وأن الإخلال بھذا الشرط قد یكون .سبباً في سرقات وتجاوزات واختراقات وإضاعة حقوق الناس وإذا كانت الوظیفة تتطلّب العدل وعدم المحاباة والتحیّز تحت ّ أي ظرف من الظروف، ّ فإن شھادة ّ المترشح مھما كانت رفیعة ومھما كانت نتائجھ فیھا متفوقة ومتمیّزة، لا تكفي أن تكون ھي الشرط الوحید لتعیینھ في تلك الوظیفة، بل لا بدّ من التأكد من امتلاكھ لصفة العدل والموضوعیّ ّ ة والتجر ّ د من كل الاعتبارات والمؤثرات والخلفیات الاجتماعیة والسیاسیة والعرقیة والطائفیة وسواھا وعدم التحیّز بأي صورة من الصور. وھذا ینسحب في نظري على الوظائف والمواقع الإداریة كافّة، إذ لا یجوز الاكتفاء بشھادة المرشح، بل لا بدّ إلى جانب ذلك .من اختبار شخصیتھ وملاحظة مدى مناسبتھا للوظیفة المطلوبة وملاءمتھا لشروطھا ولا بد من لفت النظر في ھذا السیاق إلى أن نجاح أحد الموظفین أو المسؤولین في وظیفة أو موقع ما لا یعني ّ بأي حال نجاحھ في جمیع . ّ المواقع أو الوظائف وذلك لأن لكل وظیفة شروطھا، فقد یكون صالحاً في وظیفة وفاشلاً وفاسداً في وظیفة أخرى لأنھ لم یحقق شروطھا ومن ھنا ّ فإن من الضروري عند التفكیر في تعیینات ّ مھمة أو ملء شواغر قیادیة ّ وحساسة مراعاة تحقیق الأشخاص المرشحین للشروط . ّ الخاصة لكل وظیفة غیر شرط الشھادة والخبرة .وبذلك یمكن محاصرة الفساد والوقایة منھ قبل حدوثھ