ماهر ابوطير يكتب : افطار سياسي في قصر رغدان

كنت بمعية ثلاثة نواب،وعين،وسفيرة اوروبية،وسفير خليجي،على مائدة افطار الملك في قصر رغدان،الاحد،بعد تسليم التعديلات على الدستور،في القصر الملكي.

وزراء حاليون ونواب واعيان وسفراء،وبضع شخصيات سياسية،وعدد من الصحفيين،والتوقيت يشير الى السادسة والنصف في قصر رغدان،لنسمع خطاب الملك حول التعديلات الدستورية،ثم السلام عليه،والافطار بعد ذلك.

الانطباعات التي تسمعها تكاد ان تكون متشابهة،لان التعديلات الجديدة على الدستور،تعد نوعية للغاية ولايمكن الا تقديرها،اذ حققت مطالب شعبية وسياسية كثيرة،وهذا يؤشر على التجاوب مع ما يتم طرحه.

محاكمة المدنيين امام القضاء المدني وليس امن الدولة،تطور نوعي جداً يمنح الانسان المدني حصانة خاصة بدلا من مثوله امام المحاكم العسكرية في بعض الحالات.

انشاء محكمة دستورية في البلد،مطلب طلبته شخصيات وفعاليات على مدى سنين طويلة،وهي محكمة ستضمن عدم وجود قوانين تخالف الدستور.

محاكمة الوزراء امام القضاء،تعني مساواتهم بكل الناس،وانهاء حالة اصدار القوانين المؤقتة،امر ايجابي جداً،حتى لاتتغول الحكومات وتواصل اصدار هذه القوانين،ونحن نعرف ان حكوماتنا اصدرت مئات القوانين بشكل مؤقت.

التعديلات ايضاً،وصلت حد استعادة المساواة بين الحكومة ومجلس النواب،فالحكومة التي تحل مجلس النواب عليها ان تستقيل،وبدلا من عرف الاستقالة باتت الاستقالة واجبة،واجراء انتخابات جديدة مشروط زمنياً،وفوق ذلك لايتم النظر بالطعون في صحة النيابة من جانب النواب لان هذا ينافي المنطق،وبات القضاء هو الفيصل.

الاشراف على الانتخابات ايضا بات عملا غير حكومي،اذ سوف تتشكل هيئة مستقلة للاشراف على الانتخابات،ويمكن القول ان التعديلات على الدستور ايجابية،وهذا رأي الحركة الاسلامية،ايضاً،التي مازالت تريد تعديلات اخرى مثل موقفهم من آلية تشكيل الحكومات في الاردن،ورغبتهم بأن يكلف الملك زعيم الاغلبية النيابية بتشكيل الحكومة،وغير ذلك من ملاحظات.

لايمكن الا التوقف عند التجاوبات في مؤسسة القرار مع كثير من المطالبات،وهي تؤسس لمرحلة مهمة جداً في تاريخ البلد،يجعل بقية المطالبات ممكنة يوما ما،خصوصا،اذا نضجت كل الظروف تحت مظلة قانوني الانتخاب والاحزاب،وهذه عملية متراكمة بحاجة الى وقتها.

على مائدة الافطار التي تمت تسميتها باسم "وادي موسى"فيما بقية موائد الافطار تمت تسميتها بأسماء مدن ومناطق اردنية دار حوار بيننا،السفيران العربي والاوروبية،وثلاثة نواب،وعين،والمؤكد ان المشترك في النقاش،ان هناك استحساناً كبيراً لما جرى في قصر رغدان من اشهار للتعديلات الدستورية،خصوصا،ان فيها تغييرات جذرية،غير مسبوقة في تاريخ المملكة.

لبعضنا مطالب اضافية،واهم هذه المطالب مايتعلق بحاجة الشارع الاردني الى حزمة اجراءات عميقة،تتعلق بمحاربة الفساد،وتشكيل حكومات ذات قبول شعبي،وتكريس العدالة والشفافية والمساواة،وحل اشكالات الوضع الاقتصادي.

على حد رأي احد المعلقين فأن مايريده الاردنيون اصلاحا سياسيا يترافق معه،حزمة اصلاحات اقتصادية واجتماعية،ورد الحقوق الى اصحابها،وكف يد الفاسدين،وارسال رؤوس منهم الى القضاء،وعدم الاكتفاء بجعل الاصلاح السياسي،ميداناً وحيداً تتجلى فيه معركة التغيير في الاردن.

والكلام صحيح،ولابد من التنبه لهذه الحزمة،حتى لاتتبدد حزمة الاصلاح السياسي،تحت وطأة الظروف الاخرى،كما ان المراهنة الاخطر اليوم تتعلق بقانون الانتخاب،اذ لابد ان يأتي القانون عصريا،ويحمل تغييرات في اسلوب ومنتج العملية الانتخابية،لاننا بدون نواب على رفعة في المستوى،يمثلون الناس،حقا،دون تدخل او دعم او عبث،فستبقى التغييرات عرضة للهمس والغمز.

المهمة في بدايتها،ونتمنى لو نصل يوماً الى آلية تشكيل الحكومات بطريقة مختلفة،والى اجراء تحسينات اخرى على الدستور،وحتى ذاك،لايمكن انتقاص التعديلات الجذرية التي جرت على الدستور.

لايصح مقابلة التعديلات بروح رافضة عدمية لمجرد الرفض،مع الاقرار،بأننا بحاجة الى حزمة اخرى فاعلة على كل المستويات،والى استعادة ثقة الناس بمؤسستهم العامة،وهذا لن يكون الا مع تنفيذ الحزمة الاخرى،فتتغير حياة الناس حقا،من مجتمع بلا عدالة الى بلد تسود فيه العدالة والقوانين ويحصل الناس على حقوقهم ويؤدون واجباتهم.

رحلة الالف ميل تبدأ بخطوة واحدة.

mtair@addustour.com.jo