الامتحان الأول في الإصلاح الدستوري

 

 

ثمّة ممارسات رسمية مؤلمة غدت مع الأسف الشديد وكأنها دستور غير قابل للتعديل أو التغيير في حين أنها تجاوز صارخ على الدستور، وقد تركت آثاراً سلبية عميقة في نفوس الكثيرين دون أن يملك أحد قول كلمة لا لمثل هذه الممارسات غير الدستورية، ومنها قوائم مكرمات المقاعد الجامعية  التي تُوزّع سنوياً هنا وهناك تحت مبررات واهية وغير مقنعة، فهذه لأبناء القوات المسلحة وهذه لأبناء المعلمين، وتلك لأبناء العشائر وغيرها، ومع الاحترام والتقدير لدور القوات المسلحة ومعلمي التربية والتعليم، والدور التاريخي المشرّف للعشائر الأردنية، وهي أدوار أكبر من أن تُقدّر بثمن، إلاّ أن مثل هذه الاستثناءات والمكرمات تخرق مبدأ العدالة وتكافؤء الفرص بين الأردنيين، وهو مبدأ راسخ وأصيل نص عليه الدستور صراحة، فلماذا وتحت أي مسوّغ يتم خرق هذا المبدأ الأصيل والاعتداء على قدسية الدستور..؟!!

هذا السؤآل يُطرح بقوة في المجالس الخاصة والعامة، ويتألم الكثيرون وهم يتحدثون عن تمييز غير مبرَّر بين المواطنين، لكن أحداً لا يستطيع أن يرفع صوته باعتراض صريح، ولا يخفى ما لهذا التجاوز على الدستور  من  آثار سلبية تُلحق الأذى بالكثير من الأردنيين، وبخاصة الأبناء الطلبة الذين لا يعمل آباؤهم أو أمهاتهم في سلك التربية والتعليم أو سلك القوات المسلحة، وإنما في أعمال ووظائف أخرى في الدولة، فبماذا يَفْرق موظف يخدم الدولة والوطن بإخلاص وتفانٍ في قطاع الزراعة أو الصناعة او الصحة العامة أو الجمارك مثلاً عن موظف أو معلم في وزارة التربية والتعليم أو جندي في القوات المسلحة..؟! وما ذنب هذا الطالب الذي ولد لأب يعمل في سلك الصحة أو الزراعة حتى يُحرم من القبول في جامعة أردنية رسمية في حين يتم قبول طالب آخر زميل له بمعدل أقل في الثانوية العامة لمجرد أن أباه يعمل في سلك القوات المسلحة أو التربية والتعليم وبتعليم جامعي مجاني على حساب المكرمات..؟!!

يقول تعالى في محكم التنزيل: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان..) فقد جاء التشريع الإسلامي ليقيم العدل بين الناس، وكما يقول الإمام إبن القيم في "الطرق الحكمية في السياسة الشرعية": (إن الله أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به الأرض والسماوات، فإذا ظهرت أمارات العدل وأسفرت بأي طريق كان، فثمّ شرع الله ودينه..)..    

هو إذن الامتحان الأول في إرادة الإصلاح والتغيير، أقيموا العدل بين الناس، وعلى أركان الدولة أن يضمنوا إقامة العدل، وتكافؤ الفرص بين الأردنيين، وأنوّه بأنني أتحدث عن العدل وليس عن المساواة، فثمّة مناطق في المملكة لا تحظى بما تحظى به العاصمة من اهتمام، ومن العدل أن تجري المحاصصة على أسس تضمن حقوق المناطق الأقل حظاً.. وأن لا تحظى العاصمة وسكانها دائماً بالجزء الأعظم من الكعكة..

أبناؤنا الخريجون يشعرون بأنّ ثمة استلاب لمقاعدهم الجامعية، وينادون بالعدالة فهم أردنيون وأبناء أردنيين لا زالوا يخدمون الوطن..!! 

 

Subaihi_99@yahoo