تقوية البنية الدستورية للدولة

لم تكن الإصلاحات الدستورية، التي انتهت اللجنة الملكية المكلفة بمراجعة نصوص الدستور من صياغتها وفق نظرة أكثر حضارية، استجابة للمطالب السياسية والشعبية لضمان ممارسات دستورية أكثر اقتراباً من روح الدولة وطموحات المواطنين على حدٍ سواء فحسب، بل جاءت تلك المراجعة لتثبت أن الأردن قادر على تدعيم بنية الدولة المؤسسية، وصياغة التشريعات على قاعدة متينة.
المراجعة لنصوص الدستور بهذه السرعة، والدعم الملكي للقرار السياسي الوطني بإجراء تعديلات حقيقية وفاعلة، مؤشر إيجابي على أن الدولة قادرة على الاستمرار في مسيرة الإصلاح بانتظام ومنهجية مؤسساتية، وليس وفق رؤية طارئة معنية بتهدئة الشارع كما كان يشاع، وهو الأمر الذي يبعث على الراحة تجاه الناتج العام من العملية الإصلاحية في كافة مراحلها.
المرحلة الأولى من الإصلاح قدمت نموذجاً فريداً في المنطقة، وقادت إلى فتح نقاش حضاري واسع عن أهمية التعديلات الدستورية لتقوية الجناح التشريعي للدولة في مجلس الأمة، خاصة في ظل المطلب الملح بإيجاد قانون انتخاب عصري متوازن مع التقدم السياسي الذي تشهده المملكة، وكذلك الحال مع وجود حراك شبابي يلح في تحصيل حقوق الدولة من كافة منافذها التشريعية والسياسية والتنفيذية.
نهاية الأسبوع الماضي تابعت ندوة مهمة على قناة "بي. بي. سي" تتناول الإصلاح في منطقتنا، وكان المتحدثون يراهنون على الجرأة السياسية في الأردن نحو الإصلاح وضمان حق الأجيال في الحصول على حياة أكثر هدوءاً وانسجاماً مع التشريعات الإنسانية التي تحفظ حقوق الفرد في بلده. وأشاد المتحدثون بدعم الملك عبدالله الثاني لمسيرة الإصلاح، ووصف أحد المتحدثين جلالته بأنه رجل إصلاحي كان ينتظر من الشعب دعمه لتحقيق التغيير الذي يحلم فيه. ولعل نبأ رفع اللجنة المكلفة بمراجعة نصوص الدستور توصياتها النهائية إلى المقام الملكي إثبات واقعي على أن الأردن يسير في الاتجاه الصحيح.
التعديلات الدستورية ليست مجرد واقعة شكلية، أو تعبير عن تجاوب القرار مع المطلب فحسب، بل هي مدخل الإصلاح الجذري، ونواة التقدم بمسيرة الدولة بصدق وسلاسة غير مسبوقة في المنطقة. فمن حيث انتهت اللجنة المكلفة بمراجعة نصوص الدستور نبدأ مرحلة جديدة من التعاطي مع مفردات التطور السياسي والتنفيذي لمؤسسات المملكة التي تنتظر بدورها حصد ثمار الازدهار والنمو في السنوات القادمة.
ومع انتهاء اللجنة من صياغة نصوص جديدة للدستور الأردني لأجل مستقبل يشهد فعلاً إصلاحياً في كافة مكوناته، يدخل المسؤول الأردني مرحلة جديدة من التعامل مع آليات التنفيذ ليزيد من قناعة الشعب بدوره، ودور المؤسسة الأردنية في خدمة الوطن والإنسان، وهي واحدة من أهم أسباب المطالبة بإصلاح الدستور ليكون أكثر فاعلية في التعاطي مع الشعب تشريعياً وتنفيذياً.
هي مرحلة نقبض فيها على جمر، ونصارع الظروف المحيطة، ونتغلب على أنفسنا المليئة بكمية كبيرة من مضادات الإصلاح لنفسح المجال للتغيير، ونعيد صياغة الإنسان الأردني وفق دستور بلاده المنصف للحريات والتشريعات مكتملة العناصر، ونقود الجيل الجديد للتفاؤل بمستقبل بلده.
لكن الأهم هو أن يحفظ المسؤول دستور بلاده، وينفذ بنوده وفق القسم الذي ينطق به عند توليه المسؤولية، ويخلص لوطنه وأمته بالصورة العملية، من دون الدخول في ترهات الشخصانية والابتعاد عن القانون والحق اللذين ينص عليهما الدستور، ويصر عليهما المشرع لضمان المساواة والعدل.
الدستور بملامحه الجديدة مقدمة لإصلاح شامل، ودافع لكل صاحب همة ومسؤولية ليقدم ما لديه للوطن من دون تردد، فإذا كان الإصلاح قد بدأ من أعلى مقام في الدولة، وبدعم جاد من سيد البلاد، وصراحة حقيقية من جلالته بأنه يحب التغيير للأفضل، فلم الخوف من المستقبل؟