متطلبات أساسية للدستور الجديد !
... لابد من الترحيب اولاً بما قدمته لجنة مراجعة الدستور للملك من تعديلات دستورية مقترحه بالرغم مما قيل حول عدم اكتمالها وشمولها لما طالب الناس به ، ويمكن القول أنها خطوة صحيحة مرحب بها في ضل التركيبة السياسية والاجتماعية القائمة في البلاد ، اذ اشتملت تلك التعديلات على نقاط ايجابية مضيئة تتعلق بجوانب عديده اهمها إنشاء المحكمة الدستورية ضمن أفضل المعايير الدولية و إنشاء هيئة مستقلّة للإشراف على الانتخابات ، ومحاكمة المدنيين أمام المحاكم المدنية ، و إناطة محاكمة الوزراء بالمحاكم العليا المدنيه ، هذا الى جانب ان الطعن في نتائج الانتخابات سيكون أمام القضاء المدني وليس الى مجلس النواب ، كما حددت صلاحيّات السلطة التنفيذية بوضع قوانين مؤقتة وحصرها بثلاث حالات هي الكوارث العامة و حالة الحرب او الحاجة إلى نفقات مستعجلة لا تتحمل التأجيل ، ومن ابرز التعديلات التي لاقت الترحيب ، ان لا يلي منصب الوزارة إلا أردني لا يحمل جنسية دولة أخرى ، وكذلك منع المواطن الاردني الحاصل على جنسية اجنبية من عضوية مجلسي الاعيان والنواب . كما تضمن التعديل عدم محاكمة أي شخص مدني في قضية جزائية لا يكون جميع قضاتها مدنيين، ويستثنى من ذلك جرائم الخيانة العظمى والتجسس والإرهاب.
بالنظر الى تلك التعديلات الدستوريه المقترحة التي سترى النور خلال شهر كما حددها الملك ، فلا بد ان تسير تلك التعديلات جنبا الى جنب مع تعديلات اخرى تتعلق بإعداد قانون إنتخاب عصري يستجيب لطموح ومطالب الناس بعيدا عن التشوهات التي تلاحق كل قانون منذ العام 1993 ، وضرورة دفن قانون الصوت الواحد الذي يتنقل كل دورة إنتخابية بين الدوائر الوهمية والكتل الوهمية وعدد الناخبين الوهمي للعديد من الدوائر بقصد التلاعب والتوجيه والتدخل ، ما لم يتعلق الصوت الواحد بتقسيم الاردن الى دوائر انتخابية تماثل عدد المقاعد تقسيما جغرافيا يُعرف فيه عدد الناخبين دون زيادة او نقص ، وضرورة منح المواطن اكثر من صوت داخل الدائرة الواحده توزع بين المرشحين المستقلين والقوائم الحزبية داخل الدائرة ، اذ لا يعقل ان يستمر حال القانون السابق على حاله ما لم ينسجم مع تلك التعديلات الدستورية التي تدعو الى تشكيل حكومات برلمانية فاعله .
وبالنظر الى تلك القفزة الرائده التي جاء بها التعديل المقترح على الدستور الاردني ، فأن طي صفحة ملاحقة الفاسدين ومحاكمتهم او التباطوء بإجراءات محاسبتهم ستضعف الثقة بتلك الإجراءات والتعديلات وتحول دون الترحيب بها ، اذ لا يمكن لدائرة الإصلاح ان تكتمل دون محاسبة وملاحقة الفاسدين ، فالتعديلات تلك تتطلب تحالفات جديده وقوى وشخصيات وطنية تؤمن بتلك التعديلات وتعمل من أجلها وتخلو من اي أثر سابق لغبار أسود قد يحمله البعض في هذه المرحلة وخاصة من تلك الوجوه والعائلات التي حكمت البلاد وافسدت فيه ، وكانت سببا مباشرا لما وصلت اليه حال البلاد .
كذلك ، فأن إستمرار مواجهة الحراك الشعبي في مختلف المناطق من قبل عصابات البلطجة يشوه بالكامل تلك الإصلاحات التي يجري تنفيذها بتوجيهات ملكية ، بل ويدفع البعض الى رفع سقف المطالب وتجاوز الخطوط الحمراء كما يصفونها ، ويصل بهم الحال الى تحميل الملك تلك المواجهات التي تجري في بعض المناطق ، وهي تصرفات لم تكن اجتهادات شخصية من قبل المواطنين المشاركين في اعمال البلطجة ، بل هي سياسات منظمة ومدفوع ثمنها بشيكات تصرف للمشاركين في عصابات البلطجة من قبل متنفذين يضعون البلاد والملك في إحراجات امام شعبه وامام العالم بأسره ، فكيف يمكن الجمع بين حالة ملك ينشط من أجل إجرا تعديلات وإصلاحات اجتماعية واقتصادية وسياسية تنشل البلاد من أزماتها ويطالب بتعديلات دستورية تحفظ حق المواطن وتحترم ارائه وحريته ، وحالة الأجهزة الأمنية التي تقوم بتحريك عصابات البلطجة للإعتداء على المشاركين في الحراك وتخريب مسيراتهم ، وهو الأمر الذي ولد لدى البعض قناعة إما بعدم جدية الملك والحكومة السير بطريق الإصلاح ، وأن كل ما يجري من تعديلات ليس اكثر من ذر للرماد في العيون ، وإما ان تلك الأجهزة تريد تعطيل تلك الأصلاحات حتى لو كانت بقيادة الملك نفسه !! بالرغم من تصريح الملك يوم أمس ورغبته أن يتحول الحراك الشعبي الوطني إلى عمل مؤسسي ومشاركة شعبية فاعلة في التشريع وتشكيل الحكومات ! فهل تنسجم رؤية ورغبة الملك مع ما تنفذه الأجهزة وعصابات البلطجة بحق الحراك الشعبي !!
ولذلك فأن تصريح وزير الداخلية يوم أمس حول تجاوزات مسيرة الكرك في جمعة السيادة في بعض هتافاتها وشعاراتها والتي مست رمزية الدولة كما وصفها ، كان يفترض ان تشير الى الأسباب المؤدية لتلك التجاوزات والمتعلقة باعتداءات البلطجة وسلوك المحافظ وليس الى النتائج فحسب .