تغير المناخ يعيد تشكيل علاقتنا بالجغرافيا: غور الأردن والصحراء

12 شهيدا قضوا غرقى في سيول الامطار الومضية التي اجتاحت جنوب المملكة الاردنية، تغيرات مناخية اشار اليها وزير المياه السابق حازم الناصر ببيان اوضح فيه ان وزارة المياه قامت بإعداد دراسات مسبقة بالتعاون مع جامعة ستانفورد الامريكية ومعاهد بحث ألمانية اكدت ان درجة الحرارة في مدينة عمّان ارتفعت بمعدل درجة ونصف الدرجة، وان معدلات هطول الامطار ستتغير بتأثير من الاحتباس الحراري؛ حقائق عبر عنها بكلف بشرية هذا العام مرة في البحر الميت ومرة في الوالة؛ فالتغير المناخي يغير فهمنا للجغرافيا، ويعيد النظر في تشكيل علاقتنا بالصحراء وحفرة الانهدام التي ألفناها وعشنا على حافتها.

الدراسة التي كشف عنها الناصر بعد كارثة البحر الميت، واجرتها وزارة المياه بالتعاون مع الجامعة الامريكية نبهت على ضرورة الاستعداد لظاهرة التغير المناخي؛ «اذ ستتعرض المملكة الى ازدياد درجات الحرارة وتغير في انماط الهطول المطري، وهذا بحد ذاته تهديد للأمن المائي واستدامة التنمية الاقتصادية في بلد يعاني اصلاً من شح المياه».. هذه خلاصة الدراسة الا انها لم توضح ان كانت علاقتنا بالصحراء والطبوغرافيا الاردنية وديانا وحفرة انهدام ستتغير بهذا الشكل المفزع فالتفكير كما هو واضح انصب على التحذير من شح الموارد وتراجع التنمية.
تغيرات مناخية كشفت عن هشاشة البنية التحتية التي تتطلب تعديلات تتناسب مع هذه المتغيرات، بدوره الاستاذ باتر وردم خبير بيئي اردني قال في وقت سابق على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «حالات تكرار الهطول المطري الكثيف بدأت تتزايد منذ سنوات وسوف تتزايد أكثر مع تغير المناخ وهذا يتطلب استجابة وطنية شاملة بتحديد المواقع ذات الخطورة القصوى وتجنبها تماما في المواسم المطرية»، وبذلك يمكن القول بأن البنية التحتية لا تتحمل لوحدها المسؤولية، وبذلك فإن التغير المناخي حقيقة واقعة في الاردن لم يعد بالإمكان انكارها بحسب الدراسات وآراء الخبراء المحليين في الاردن.
وإذا عدنا الى الدراسات والمؤلفات العالمية التي تحدثت عن هذه الظاهرة، فإنه يمكن ملاحظة هذه الظواهر في اثيوبيا وكينيا وافريقيا الوسطى وجنوب السودان، كما تحدثت الدراسات عن تغيرات هائلة في بنغلادس وباكستان والتبت والهند وغيرها من المواقع في العالم.
هذا التغير الكبير بدأ يعصف بمنطقتنا، اذ شهد العراق وايران العام الفائت انخفاضا كبيرا في منسوب مياه نهر دجلة، نسب الى اغلاق السدود وتغير مجرى الانهر الفرعية في تركيا وايران، الا ان الاسباب الكامنة خلف تلك الظاهرة تعود الى تغير نسب الهطول في هذه البلدان، لم يقتصر الامر على العراق اذ سبقها الحديث عن سوريا؛ فبعض الدراسات اشارت الى ان التغيرات المناخية الحاصلة في سوريا ومواسم الجفاف الطويلة اسهمت في الاضطرابات السياسية في البلاد وسهلت انفجار الاوضاع الامنية نتيجة الهجرة الواسعة من الريف والبادية الى المدن وانخفاض القدرة الانتاجية للمناطق الحضرية في البادية والريف السوري.
تداعيات الاحترار العالمي امتدت الى منطقتنا شيئا فشيئا وبدأنا نلمس ظواهر مستجدة عبر عنها هذا العام بقوة بالفيضانات التي شهدتها الكويت والسعودية (الرياض ومن قبل جدة) واعاصير على سواحل اليمن وعُمان، وامطار غزيرة في الامارات العربية وقطر؛ ظاهرة تكررت خلال العامين الفائتين ولكن بنسب اقل تخللها تساقط الثلوج شمال المملكة العربية السعودية.
اليمن كان لها نصيبها هذا العام فيضانات مدمرة، علما انه وفي العام 2010 اشارت دراسات اشرفت عليها مراكز بحوث امريكية الى تراجع المخزونات المائية في اليمن فمن بين ثلاثة احواض جوفية لم يبق الا حوض واحد مع زيادة سكانية هائلة محذرة من اضطرابات سياسية في البلاد قبيل الثورة اليمنية في فبراير 2011.
مصر بدورها عانت من فيضانات ضربت مدينة الاسكندرية اكثر من مرة هذا العام والذي سبقه، ترافقت مع انخفاض في منسوب نهر النيل الذي يعزى الى بناء سد النهضة، غير انها عانت كثيرا من فيضانات لم يكن للنيل دور فيها اذا كانت السودان والعاصمة الخرطوم من اكبر المتضررين خلال الاعوام الفائتة من هذه الظاهرة، الآثار كارثية في مصر انعكست على المدن الساحلية وعلى رأسها الاسكندرية كما ادى انخفاض النيل الى تراجع انتاج المزارعين وتصدر موسم البطاطا هذا العام المشهد؛ فالكثير من المغتربين من مصر الشقيقة في الاردن تحدثوا عن توقف أسرهم عن الزراعة واعتمادهم اكثر على ما يحولونه لهم من اموال جمعت في بلاد المهجر والاغتراب.
ما حدث في الاردن خلال العامين الماضيين كان بمثابة ناقوس الخطر؛ اذ غرقت وسط البلد بشكل مذهل، تبعها فيضان في منطقة عرجان فقد فيها طفلان من جنسية مصرية، تكررت حوادث تعطل الانفاق وغرقها اكثر من مرة رغم الاجراءات الوقائية المتكررة؛ ما يعني ان التصميم الهندسي لأنابيب التصريف لم تعد قادرة على استيعاب كميات الهطول والمفاجئة والغزيرة اذ لم تصمم لذلك التغيير، وشهدت مدينة العقبة خلال الاعوام الخمسة الفائتة العديد من السيول الجارفة.
هذ العام كان الاكثر تعبيرا عن هذا التغير وترافق مع سيول جارفة في الوادي الازرق تبعه سيول جارفة في مادبا ومعان والبتراء، تغير أعاد تعريف علاقتنا بالجغرافيا التي ألفناها؛ فالوديان والمجاري المائية والسهول اصبحت تهدر بمياه جارفة، بل اعاد تعريف علاقتنا بالصحراء التي نعيش على تماس مباشر معها، فإذا استمرت الاحوال على ما هي عليه فإن المنخفضات والوديان المأهولة من العقبة مرورا بوادي رم الى الجفر فالأزرق والزرقاء لن يختلف واقعها عن وديان حفرة الانهدام المحاذية للغور، كما ان اودية عمان كعبدون وسقف السيل وراس العين وعرجان ووادي الرمم وغيرها كثر ستتغير علاقتنا بها من ممرات آمنة وقابلة للسكن الى اماكن بحاجة الى اعادة تقييم المخاطر فيها واعادة تجهيز البنية التحتية فيها.
المسألة تحتاج الى خبراء وملاحظات عابرة لن تقدم تقييما علميا ومن الافضل عدم الاكتفاء بدراسة واحدة؛ فالواقع بات ملزما إجراء المزيد من الدراسات الجغرافية والطبوغرافية والبيئية لمدننا وحواضرنا واعادة تعريف علاقاتنا ككتلة بشرية مع غور الاردن والصحراء التي نعيش في تماس مباشر معها، الامر ليس كله شر ولعل فيه خير لبلد تعاني من شح المياه وعلى الرغم من الآثار السلبية وصعوبة الاستفادة من الامطار الومضية وآثارها السلبية في انجراف التربة وفي المواسم الزراعية الا ان التكنولوجيا الحديثة والقدرة على التكيف طالمنا مثلت ملكة اودعها الله في النفس البشر.
الامر بقدر ما يمثل تحديا الا انه من الممكن ان يمثل فرصة وهبة من الله يجب التعامل معها بإيجابية واعادة التكيف من خلال تعريف جديد لعلاقتنا بالبيئة المحيطة بنا؛ امر سيحتاج الى وقت بات ثمينا اذ ان سرعة التكيف تعني خفض الكلف البشرية والمادية، وقت من الممكن ان يختزل ويتحول الى منحة بالمسارعة نحو التكيف لتتحول فرصة من الممكن ان تضيع في حال تأخر المختصون عن تقديم ارشاداتهم ومعارفهم.
وفي ضوء ذلك فإنه يجدر الذكر بأن الاجراءات السريعة تتطلب العمل على انشاء صندوق للتعامل مع الكوارث المناخية والبيئية لمساعدة الجمهور على التكيف مع البيئة والجغرافيا المتغيرة، واعداد البحوث والدراسات؛ فالكثير من المناطق من الممكن ان تصبح غير صالحة للسكن ما يجعل من سكانها لاجئين او نازحين بيئيين، امر حدث في افريقيا وخصوصا في اثيوبيا وكينيا وافريقيا الوسطى وتولد عنه صراعات نحن في غنى عنها؛ الصورة من الممكن ان تبدو مبالغا فيها ولكن ما يحدث في العالم وما تراكم من تجارب حول التغير المناخي بات حقيقة لا يمكن تجاهلها كما لا يمكن تجاهل آثاره الجيوسياسية كان آخرها ظهور ممر بحري جديد يربط بين القارات نتيجة ذوبان الكتل الجليدية في القطب الشمالي.
ختاما.. تتحمل الدول الصناعية مسؤولية كبيرة اذ تكاثرت في السنوات العشرين الاخيرة كالفطر فانضمت الصين والهند والبرازيل والارجنتين الى نادي الصناعيين الكبار، دول بحسب الدراسات الى جانب اوروبا وامريكا تتحمل مسؤولية اخلاقية وانسانية اذ تعد من مولدات التغير المناخي، وبات لزاما عليها ان تتحمل مسؤوليتها بتعويض الدول المنكوبة ومساعدتها على التكيف مع المتغيرات السريعة التي تتعرض لها، مسألة بات لزاما ان تصبح جزءا من الخطاب السياسي الموجه للعامل الخارجي، وجزءا من السلوك السياسي بالبحث عن شركاء وحلفاء في المجموعة الدولية يعبرون عن هذه الهواجس والمخاوف المتراكمة.