طقوس الكتابة.. كتابة بلا طقوس



الكتابة فن، وكما كان القدماء ينقشون رسوماتهم وكلماتهم على الصخر والرقم الطينية باستخدام ادوات الحفر، تكون الكتابة احيانا حفراً ورسماً وإبداعا.
وللكتاب طقوس تختلف من كاتب وشاعر إلى آخر، وليس واضحاً بعد أن كانت تلك الطقوس والعادات سر ذلك الابداع أم توطئة له، او مجرد اعتقاد.
فصاحب كتب العبقريات الأديب المصري عباس محمود العقاد كان لا يكتب الا وهو مرتدي البيجامة، وقلده في ذلك الاديب انيس منصور، صاحب «حول العالم في مئتي يوم»، لكنه زاد انه لم يكن يكتب الا في الساعة الرابعة صباحاً.
ويروى أن الكاتب الايرلندي صموئيل بيكت صاحب مسرحية «في انتظار جودو» لم يكن يكتب الا وهو جائع، في حين نقل عن الشاعر الفرنسي «جان آرثر رامبو» انه كان يتنقل بالقطارات ليكتب، وفي رأيي المتواضع أن هذا الأخير اكتسب هذه العادة إن صحت لاحقاً.
وتنقل مدونات أدبية أن الاديب فيكتور هيجو صاحب «البؤساء» و»عمال البحر» و»أحدب نوتردام» كان على العكس من المتدثرين بملابس النوم أثناء الكتابة، فلم يكن يكتب إلا عارياً.. بل يأمر خدمه بإخفاء ملابسه، لكي لا يخرج من المنزل قبل ان يتم كتابته.
وعلى النقيض من ملابس النوم والعري، كان الشاعر نزار قباني يكتب مرتدياً أجمل ملابسه، متأنقاً، كأنه خارج لحضور حفلة، لكنه يكتب مستلقياً أو نائماً على بطنه!
«صاحب 100 عام من العزلة» غابريل غارسيا ماركيز اعتاد ارتداء ملابسه كاملة أثناء الكتابة، لكنه امتاز بأنه كان يرتدي ملابس الميكانيكي دون سواه، ولعله حدس أن الكتابة تحتاج الى تغيير وتفكيك ومعايرة الزيت وصولاً إلى الإبداع.
ومن طرائق الادباء أن ميكافيلي صاحب كتاب الأمير كان يقطع استغراقه في الكتابة ليجوب المكان الذي يتواجد فيه جيئة وذهابا وهو يقرأ ما كتب، وكأنّه يُلقيه أمام جمهور، فإذا أعجبه وتأثّر به أثبتَه في نصه، وإنْ لم يتأثر به حَذَفَه!.
عادة القراءة بصوت عال طبقها كل من الأديب الروسي ديستفوسكي صاحب «الجريمة والعقاب» و»الأبله» و»الاخوة كارامازوف»، وإيزابيل اللندي صاحبة «مدينة البهائم».
وروي أيضاً أن الاديب الفرنسي البير كامو صاحب «الغريب» كان يكتب وهو واقف على بلكونة، أما مواطنه «جان كوكتو» فكان لا‌ يكتب إلا‌ بعد أن يضع على منضدته كأساً مقلوبة على عقرب حي.
ولكن ماذا يخطر للكاتب حين يرى ورقة بيضاء أمامه؟
ترى الأديبة غادة السمان صاحبة «لا بحر في بيروت» أن وطنها في الورقة البيضاء: «لقد قضيتُ عمري تائهة بين القارات والقلوب والفنادق، ولم انعم يوماً بأي أمان إلا داخل مغاور حروفي... في الكهوف المائية الزرق للمحبرة».
وحين سئل الكاتب الأمريكي ارنست هيمنغواي صاحب «الشيخ والبحر» و»وداعاً للسلاح» و»لمن تقرع الاجراس» عن أكثر ما يخيفه فأجاب: «ورقة بيضاء».
هذا الأديب الذي عمل لفترة من حياته مراسلاً حربياً، وتعرض للخطر عدة مرات وأصيب في إحدى المعارك بإيطالياً في الحرب العالمية الثانية، وصارع ثورًا في إسبانيا، وخرج في رحلة صيد للحيوانات المفترسة في إفريقيا، ألهمته روايته «ثلوج كليمنجارو»، ظلت ورقة بيضاء تخيفه وتتحدى قدرته على التعبير.
الكتابة الابداعية لم تكن أبداً أمرا سهلاً، إنما شاقة، ولا يجوز لمن لا يتقنها أن يخوضها، فالكاتب هنا بموقف القاضي الذي يضع توقيعه على حيثيات قرار بالاعدام أو البراءة والحياة، والمشكلة في عالمنا العربي أن أشخاصا ودولاً باتوا يقررون «من يكتب دون طقوس طبعاً.