النائب النمري : مقاومة غامضة لـ "البلديات" في الأعيان ..
قال النائب جميل النمري في بيان صحفي اصدره السبت : أقرّ مجلس النواب قانونا اصلاحيا متقدما للبلديات يحلّ مشكلة الدمج ويتيح اجراء انتخابات ناجحة هذا العام، وتحول القانون الى مجلس الأعيان بأمل اقراره بالسرعة الممكنة لكي يصبح نافذا وتبدأ الحكومة اجراءاتها للتمكن من انجاز الانتخابات بالسرعة الممكنة ، لكن مقاومة غامضة للمشروع ظهرت في مجلس الأعيان تتعذر بأسباب قانونية أو دستورية لتعطيل المشروع، وهو تعطيل خطير للاصلاح.
وكانت مقاومة شبيهة للتعطيل حدثت في مجلس النواب لكن المجلس أظهر ارادة اصلاحية قوية ودعم لجنته الادارية في مقترحاتها الاصلاحية والديمقراطية التي تعالج مشكلة الدمج بتحويله الى صيغة لا مركزية تقوي المشاركة الشعبية والتمثيل.
في كل مكان يتم ممارسة الحكم المحلي على مستوياته الثلاث وهي عندنا مستوى البلدة أو المدينة ثم اللواء ثم المحافظة، وقد كان يمارس عندنا على مستوى واحد هو البلديات وتمّ الاستعاضة عن المستوى الثاني والثالث بمجالس الخدمات المشتركة والمجالس الاستشارية في المحافظات والتي كان يفترض تحويلها الى مجالس منتخبة بصرحيات من خلال مشروع اللامركزية المعطّل حتّى الآن.
بالمقابل جرى من خلال دمج البلديات الغاء المستوى الأول واحالته الى المستوى الثاني فأصبح لكل لواء بلدية واحدة. ولم تنجح التجربة رغم تفاوت الوضع من بلدية لأخرى وبقيت البلديات تعاني من نفس الأمراض لكن العواقب الفادحة الأساسية هي احساس الناس بعدم التمثيل ومصادرة دورهم في ادارة شؤونهم، ومن الأساس كان يجب ان لا يخل الدمج بالتمثيل واللامركزية والادارة المحلية فيبقى هناك مستويان، المستوى المحلي لادارة الخدمات والاشراف من مجلس محلي في كل بلدة وقرية ومنطقة يتبع المستوى الثاني و هو المجالس المشتركة على مستوى اللواء أو ما اطلق عليه البلديات المندمجة للتخطيط والتنظيم والرقابة والادارة العليا للموارد المشتركة.
لقد فشلت الحكومة ضمن آلياتها المعروفة في الاتفاق على التغيير! مع ان فكرة المستويين كانت قد نضجت لدى بعض اعصاء الفريق الوزاري وتم مناقشتها في المحافظات والحصول على توافق حولها فقدمت القانون القديم عل قدمه باسم قانون جديد يبقي الدمج بالصيغة الفاشلة والمرفوضة شعبيا، وصدمتنا نحن الذين واكبنا الحوار حول التغيير ومشروع انشاء المجالس المحلية بتقديم القانون القديم.
ان أعضاء مجلس النواب كانوا يعرفون حجم الغضب وعدم الرضى عن الدمج ومصادرة الاستقلالية و الادارة الذاتية والتمثيل، وأن مطلب الانفصال فقط هو السائد في كل البلدات والقرى والمناطق، وأن العودة الى الناس بالقانون القديم والانتخابات بالصيغة القديمة للبلديات المندمجة سيواجه بالرفض الشامل لدرجة مقاطعة الانتخابات، وانها لمصيبة ان يحدث ذلك في حين اننا نعد باصلاح شامل يتلاقى مع آمل الشعب وطموحاته.وعليه فقد أجرى مجلس النواب الاصلاحات الضرورية التي تنقذ القانون وتنقذ الانتخابات وتحقق الاصلاح. وذلك باعادة الاعتبار لمشروع المجالس المحلية التي تتبع كل بلدية وتشرف على الخدمات في حدود منطقتها وضمن موازنة سنوية محددة لها، وهو ما يلغي الحاجة للأنفصال بالنسبة للأغلبية الساحقة من البلدات، ولعل الحكومة فهمت الموقف فلم تعارض ابدا التغييرات التي اجراها النواب
ها نحن نجد المقاومة والتمنع يأتيان من أوساط في مجلس الأعيان بدوافع غامضة نخشى انها تضمر فقط أجندات مغرقة في الحسابات الخاصّة على حساب المصلحة العامّة. وللحقيقة فان اغلبية من السادة الأعيان الذين اتيح لنا مناقشتهم في لجنتهم الموقرة ساندوا الفكرة النبيلة والاصلاحية للمجالس المحلية لكنهم تحسبوا للسياق القانوني للنصوص قد تكون التعديلات اخلت به ، ووافقنا على كل اقتراح لتجويد النصّ من زاوية قانونية بأي صورة يراها القانونيون المختصون من السادة الأعيان بل تمّ اقتراح لجنة غير رسمية لهذه الغاية ، لكن عدنا نسمع نغمة جديدة تعترض جذريا على المجالس المحلية ليس لأن الفكرة غير جيدة بل لأنه لا يحق للنواب دستوريا ادخال فكرة جديدة على القانون غير ما جاء من الحكومة؟!
وهذا الاعتراض يستند الى قرارين للمجلس العالي لتفسير الدستور فحواهما ان التعديل على اي قانون يأتي من الحكومة لا يجوز ان يتناول أحكاما جديدة لا صلة لها بالنواحي والغايات التي وضع المشروع من أجلها .
هذا الحكم للمجلس العالي لتفسير الدستور مفهوم تماما ومقبول، لكن المجالس المحلية ليست موضوعا غير ذي صلة بالنواحي والغايات التي وضع القانون من اجلها بل هو في صلبها تماما فغاية القانون هو الحكم المحلي أو البلدي وبنيته ودوره وصلاحياته، بل ان التعديل في الجقيقة يلبي أكثر من النصّ الأصلي غايات القانون، والقانون في الواقع ينصّ على حق المجلس البلدي في انشاء اللجان والهيئات التي يريدها واحالة ما يراه من صلاحياته لها وينصّ على تقسيم البلدية الى مناطق حتّى انه بموجب هذا النصّ وحده يمكن انشاء المجالس المحلية ومنحها الوظائف المناسبة!
وعليه فنحن لا نتحدث عن شيء اقحم على القانون في غير محله ولغايات أخرى غير ذات صلة، بل ان ما هو متضمن في القانون جوازا جعلناه لزاما، والأمر الثاني الذي كان جوازيا وبات الزاميا هو النظر في مطلب الانفصال اذا حاز على أكثرية المواطنين في أي بلدية كان قد جرى دمجها وتقديرنا ان الزامية نشوء مجلس محلي في كل منطقة من مناطق البلدية سيخفض الى أدنى حدّ مطالب الانفصال وسيأخذ الناس فرصتهم ليروا اذا كانت المجالس المحلية ستحلّ لهم المشكلة وهي على ما نعتقد ستحلّ بالضرورة وجود مرجعية محلية مباشرة وقريبة لهم مسؤولة عن الخدمات في منطقتهم.
ما يثير مخاوفنا وريبتنا هي النوايا الغامضة لاحباط القانون بسبب التطويرات الديمقراطية والاصلاحية المتقدمة فيه ودون ذلك فان أي تعديلات لمعالجة سلامة النصوص قانونيا ستكون موضع تقدير وترحيب، لا بلّ أن السادة الأعيان وبقراءة قانونية مدققة لتحسين التوافق والتناغم بين النصوص سيقدمون أكبر خدمة للهدف الاصلاحي الأساسي وهو تقديم قانون بلديات ديمقراطي وعصري.
هذا نداء للسادة الأعيان ان لا يضعوننا في طريق مسدود، فالانتخابات البلدية بالقانون القديم أو بالجديد القديم – اي بصيغة الدمج القائمة – ستكون أمام خطر الفشل الذريع والمقاطعة الشاملة من الناس، مما قد يضطر الحكومة الى تأجيلها للسنة القادمة متجاوزين موعدها الدستوري، في حين أن الملك يريد والحكومة تريد والظروف العامة توجب اجراء الانتخابات البلدية هذا العام.