بلفور (100+1) : الولادة القيصرية



*ثمة أحداث وقضايا، محلية وعربية وإقليمية، تتصدر الساحة الإعلامية، وتستدعي الاهتمام والمتابعة، إلا أن ذلك، في تقديري، لا يحول دون التعرض للذكرى المشؤومة (بلفور-100+1)، ففي الثاني من تشرين الثاني ) نوفمبر الجاري، يبدأ إعلان أو تصريح أو ما أشتهر (وعد بلفور) مئوية الثانية... ويتلخص الإعلان (الوعد) بأهم أربعة بنود: اثنان بدعم تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، واثنان بتأكيد احترام الحقوق المدنية والدينية للمجتمعات غير اليهودية، واحترام الحقوق والوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر. هذا في الوقت الذي كان فيه اليهود لا يتجاوزون (5%) من السكان.
*لم يصدر ذلك الإعلان/ الوعد بشكل مفاجئ:
-بعد وفاة (هرتسل)-1903- مؤسس المنظمة الصهيونية، أعلن وايزمن: الانجليزية تنتمي للندن كما ينتمي اليهود للقدس. وكان عدد أعضاء المنظمة آنذاك ثمانية آلاف صهيوني من أصل ثلاثماية إلف يهودي في بريطانيا، ويمثلون (1%) من يهود العالم.
-أدّت الضغوط الصهيونية على الحكومة البريطانية إلى عقد لقاء بريطاني –صهيوني في (7/2/1917) لوضع صيغة إعلان لدعم المطالب الصهيونية في (فلسطين الانتدابية).
-وامتدت اللقاءات لتضم الصهيونية- وأمريكا وبريطانيا، وخلال أربعة لقاءات انتهت إلى موافقة الرئيس الأمريكي (ويلسون) في (6/10/1917) على إصدار الإعلان في صيغته الرابعة مؤيداً للتطلعات الصهيونية، ومشتملاً على عبارة (في فلسطين) بدلاً من عبارة (الوطن القومي على كامل فلسطين).
- وفي (2/11/1917) يتلقى اللورد روتشلد، أحد أبرز الشخصيات اليهودية رسالة من (أرثر بلفور) (25/7/1818- 19/3/1930) وزير خارجية بريطانيا لنقلها إلى الاتحاد الصهيوني البريطاني).
-وفي (9/11/1917) نشرت الرسالة المكونة من (67) سبع وستين كلمة بالانجليزية، والتي اشتملت على تطلعات الصهيونية في فلسطين... وفي الحقيقة كانت الرسالة التي طعنت مصير الشعب العربي الفلسطيني، مولّدة المآسي والمعاناة لذلك الشعب، وفي الوقت نفسه كانت بداية الصراع الصهيوني- العربي الذي يعتبر أكثر صراعات العالم تعقيداً أو حِدّة.
-وفي شباط (1919) أصدرت فرنسا بيانا بأنها لا تعارض وضع فلسطين تحت الوصاية البريطانية وإقامة وطن قومي يهودي فيها.
-وفي (21/7/1921) وفي متابعة للإعلان، التقى في منزل بلفور في لندن كل من وايزمن وتشرشل ولويد جورج حيث طمأن الأخير وايزمن بأنهما (يعنيان أقامة دولة يهودية في نهاية المطاف، وعندما تصبح أغلبية السكان من اليهود من محضر وايزمن للقاء).
-وتحققت الأغلبية اليهودية فخلال الفترة بين الاحتلال البريطاني لفلسطين وانتهاء انتدابها ارتفع عدد اليهود في فلسطين من (5%) تقريباً عام (1918) الى (35%) عام (1948)، وكانوا على درجة عالية من التسليح والتدريب.
*وختم بلفور حياته (1930) بعد زيارة فلسطين عام (1925) للمشاركة في افتتاح الجامعة العبرية هذه خطوات الصهيونية في متابعتها لمشروعها، مستخدمين ذلك (المتصهين)-بلفور- الذي تخلى عن الشعر والفلسفة بعد تخرجه من كامبردج ليصبح سياسياً يترك أسوأ جريمة في التاريخ والمسماة باسمه (وعد بلفور).
*هذه هي الجذور الصهيونية والسياسية لوعد بلفور الذي لم يدرسه العرب جيداً حسب رأي (آفي شلايم) في كتابه (الإسرائيليون وفلسطين)، والذي وصفه بأنه غير شرعي ولكنه اكتسب الصفة القانونية في الأمم المتحدة (It Legal but Lawful) وهي مقولة خاطئة فما بني على باطل فهو باطل، ولا مجال لمقاومة مشروع بلفور إلا بتمسك الأمة بحقها، وإصرارها على رفض المشروع الصهيوني، سياسياً وشعبياً، فالصراع العربي- الصهيوني الذي بدأ منذ قرن لن ينتهي إلا بمشروع عربي، يبني فكرياً، وتوضع له إستراتيجية تضامنية... لا تعرف اليأس، ولو قسرياً، أو بولادة قيصرية....