وراء كل مسؤول كبير فاسد آلاف الفقراء والمتسولين

يا وزارة التنمية

وراء كل مسؤول كبير فاسد آلاف الفقراء والمتسولين..؟

·        موسى الصبيحي

يعتقد بعض رجال الدولة والمسؤولين ومخططي سياسات الحماية الاجتماعية أن التسول آفة خطيرة تهدد أمن وسلامة المجتمع، ويتفاخرون بأنهم يكافحون هذه الآفة دون هوادة، ولكنهم يتناسون أنها نتاج حالة الفساد في المجتمع، فكلما استشرى الفساد أكثر كلما ازدادت رقعة الفقر وازدادت أعداد المتسولين كما تقول التقارير الدولية والدراسات المتعلقة بفقر الأفراد والجماعات، فوراء كل فاسد مئات المتسولين وآلاف الفقراء، وأي تهاون في مكافحة الفساد سيكون بمقابله زيادة في أعباء المجتمع بتحمل أعداد جديدة من الفقراء والمتسولين..!

مجتمعاتنا لا تحتاج إلى كنس الفاسدين فحسب، وإنما إلى جعلهم عبرة لمن يعتبر، بالمحاسبة والعقوبة ومصادرة ما سلبوه من أموال الشعب بفسادهم وغياب ضمائرهم وتجرؤهم على المال العام..!!

مشكلتنا في الأردن أننا صب جام غضبنا، ونوجّه معظم جهودنا الرسمية لملاحقة المتسولين في الشوارع والأزقة والحارات والمقاهي والمطاعم وعند الإشارات والتقاطعات، ولكننا نفتقد الإرادة الحقيقية في ملاحقة لصوص المال العام في القطاعين العام والخاص..!! وهم موجودون ولا نهوّل، وإذا كنا نعتقد أن المتسولين يتفننون في ألوان الاستجداء والتسول لكي يحققوا أكبر غنيمة ممكنة من جيوب الطيبين والبسطاء من الناس، فيجب أن نعلم أن الفاسدين "يتشيطنون" في أساليب اللصوصية والسلب والنهب من أموال الشعب تحت عناوين يمنحونها الشرعية المطلقة، لا بل وبعضهم يمنّ على الشعب بهذه الأساليب فيما هو يسرق ويدوس على القوانين والأخلاق والضمائر والحقوق والعدالة..!!

لمثل هؤلاء ينبغي أن توجّه جهود المكافحة الحقيقية، وليس لمتسوّل ضاقت به الدنيا وحاق به الفقر والجوع من كل صوب وراح يبحث عما يسد رمقه ورمق أسرته..!

يا وزارة التنمية الاجتماعية لن تستطيعي أن تكافحي التسول مهما فعلت، وعليك أن تبحثي عن أساليب أخرى لهذا، وأن ترسّخي ثقافة وفلسفة جديدة في المجتمع تختلف عن فلسفتك المباشرة في ملاحقة المتسولين.. هي فلسفة التنمية المجتمعية التي ترسّخ في مجتمعنا رسالة التكافل والتضامن والتماسك والتسامح وفتح العيون على ممتلكات الشعب، وهي مبادىء أساسية في إصلاح الشأن الاجتماعي، ورفض إملاءات الفاسدين على واقعنا الاجتماعي المأزوم..!!

ثمّة استراتيجيات اجتماعية ينبغي أن توضع في سلال المهملات، فقد عفا عليها الزمن، وثمة نظرة طامحة يجب أن تسود في المجتمع تنطلق من واجب الحماية الاجتماعية التي يؤمل أن تقوّض مشكلات الفقر والتسوّل، ولكنها لا تستطيع دون امتلاك إرادة حديدية لوقف الفاسدين ومحاسبتهم وعقابهم..!!

مشكلتنا في الأردن أننا نعترف بأن ثمة فساد، وثمة فاسدين ولكننا نعجز عن الإمساك بأحدهم..  وأننا متأكدون أن ذاك المسؤول الكبير أو الذي كان مسؤولاً كبيراً في يوم ما فاسد كبير وأنه أثرى من مال الشعب، ولكننا لا نملك أن ندينه ولا حتى أن نسأله السؤآل الذي نتمنى أن يوجّه لكل مسؤول ثري: من أين لك هذا..!! نعم من أين لك هذا وقد وُلدت مسؤولاً وعشت مسؤولاً وربما تموت وأنت مسؤول لأن الأردن لم تنجب منْ هو أكفأ منك ولا أجدر بتحمل المسؤولية..!!! فمنْ أين جئت بهذه الثروة يا سيدي المسؤول.. فإن قلت عملت وتاجرت، نقول لك متى وكيف وقد أمضيت عمرك في المسؤولية العامة، فجمعك بين الوزارة والتجارة ضرب من الفساد.. وما دون ذلك نهب واستغلال ورِشىً وقرارات تصب في جيبك وجيوب أولادك وزوجك..!!؟؟

يا وزارة التنمية الاجتماعية آن الأوان لكي تغيّري استراتيجيتك وتفكيرك التقليدي في مكافحة المتسولين، وأن تقيمي شراكة حقيقية مع هيئة مكافحة الفساد، لا بل ما هو أبعد من ذلك، أنْ تُشكّلي هيئة مستقلة تابعة لك مباشرة لمكافحة الفاسدين، فهؤلاء أولى بالمكافحة لأن وجودهم وترعرعهم وحمايتهم بات يقوّض أمن المجتمع ويهدد استقرار الشعب وحياته، فوراء كل فاسد جديد آلاف الفقراء والمتسولين نتاجاً وليس دعماً، فلا تنمية اجتماعية يمكن أن تتحقق في ظل حالة الفساد السائدة.. والتراخي الكبير إلى حدّ التواطؤ في ملاحقة الفاسدين ومحاسبتهم..!!     

    

    

Subaihi_99@yahoo.com