مجلس النواب وصكوك غفران الكازينو
مجلس النواب وصكوك غفران الكازينو
قرار مجلس النواب بمنع محاكمة دولة رئيس الوزراء وصحبه في قضية الكازينو هو قرار قضائي بامتياز ، وبغض النظر عن مدى صحة القرار من عدمه الا ان ما نود الاشارة اليه ان هذا القرار وما رافقه من اجراءات قد تشكل سوابق يتم الاحتجاج بها في مقبل الايام ، كما ان لهذا القرار حجية قضائية ، اذ انه ينقل من تقرر منع محاكمته من دائرة الاشتباه الى دائرة البراءة القضائية القاطعة في حال اكتسب هذا القرار الدرجة القطعية واصبح عنوانا للحقيقة ،كما يمكن الاستناد اليه في ملاحقة كل من قام بتشويه السمعة والافتراء على غيره ، كما ان اعادة فتح الملف والتحقيق به مرة ثانية قد اصبح مقيدا باحوال ضيقة جدا.
وهنا لن نخوض في مدى صحة القرار ، ولا نشكك في براءة نخبة من رجالات البلد يقف على راسهم دولة الرئيس ،ولن نشكك في الاهلية والصلاحية القانونية لمجلس النواب في اتخاذ القرار ،ولكن ما نود الالتفات اليه لئلا تتكرربعض الممارسات والاخطاء هو الجانب الفني البحت فهل الاجراءات التحقيقية التي سلكها مجلس النواب في اصدار القرار يمكن ان تؤدي الى قرار سليم بخطورة القرار المتخذ بمنع المحاكمة.وسنكتفي هنا بايراد جملة تساؤلات حول هذا الموضوع نترك الاجابة عليها لحصافة وفهم القاريء الكريم : ـ
اولا : هل يمكن لاي سلطة قضائية ان تجري تحقيقاتها النهائية الفاصلة في قضايا فساد خطيرة في ظل حياد مطلق من جانب الحكومة واجهزتها ، خاصة تلك التي يوجب عليها القانون ملاحقة الجرائم وجمع ادلتها فور وقوعها والقيام بواجباتها في القبض والاحتفاظ والتفنيش وجمع المعلومات ، اليس غريبا في هذه القضية (واخواتها ) ان لا تجد فيها ضبطا او اجراء تحقيقيا واحدا يساعد في كشف الحقيقة واستجلائها، ولماذا لم توثق الحقائق ولم يتم التحقيق بها ابتداء لا من قبل الحكومة ولا من قبل من علموا بقيام شبهة فساد ممن اوجب عليهم القانون ملاحقتها في حينه ، رغم ان ابسط قواعد التحقيق تقول ( ان الدقائق التي تمر هي الحقائق التي تفر).
ثانيا : ان التحقيق الجنائي الفني الجاد يتجاوز قيام نائب غير متخصص وغير قانوني ولا يتمتع باي خبرة في مجال التحقيق ـ مع جل الاحترام ـ وبعض صحبه باستدعاء الشهود والمشتبه فيهم وسماع اقوالهم فحسب ، وكأننا لا زلنا نعيش خارج نطاق الحضارة البشرية المعاصرة والتطور العلمي والفني التقني، اذ يحتاج الامر الى اجراءات تحقيقية وجمع معلومات ، ورصد مكالمات ومخاطبات وتتبع الرسائل الالكترونية ، وتتبع حركات الحسابات البنكية ، والمعلومات الاستخبارية ،والاستعانة بقدرات المختبرات العلمية والتقنية في كشف الجرائم وفحص الوثائق والصوروالسجلات والادلة المادية والالكترونية وكافة الادلة الاخرى المتوفرة .
ثالثا : ان اثارة القضية ابتداء من قبل رئيس الوزراء وهو يتربع على كرسي الرئاسة ، وما ترتب على ذلك من اجراءات ظهر بعضها للعلن مثل منح دولة الرئيس فرصة الدفاع عن نفسه امام الشعب ومجلس النواب قبيل اتخاذ القرار فيما حرم وزير السياحة الظنين من هذه الفرصة يخل بمبدا اساس من مباديء العدالة ،ويناقض ما توافقت عليه الامم المتحضرة لقيام المحاكمة العادلة الذي يقتضي المساواة ،وسرية التحقيق وعلنية المحاكمة .
رابعا : الاصل العام ان مجلس النواب في هذه المرحلة يمارس دور النيابة العامة او سلطة الاتهام التي يجب ان تجنح للاتهام ، لا ان تنصب من نفسها قاضيا ثم تقوم بوزن البينة واعلان البراءة ، وتجزئة قرار الاتهام على نحو جائر.
خامسا : طالما ان مجلس النواب قد منح نفسه حق وزن البينة والفصل في القضية باعلان الاتهام والبراءة، فقد كان من حق الظنين وزير السياحة الاسبق ان يواجه بالادلة التي توفرت ضده بما فيها شهادات الشهود وافادات الاظناء قبل ان يتحول بعض رفاقه من مشتكى عليهم معه الى شهود ضده اذ قد يكون لديه ما يضيفه او يواجه به رفاقه قبل ان يجد نفسه وحيدا في قفص الاتهام .
سادسا : في كل الدنيا عندما يجري الحديث عن قضايا الفساد فان اول ما يتبادر الى الذهن هو حصول قضايا الرشوة او اختلاس المال العام او استثمار الوظيفة العامة، اما ان تتمحور جل الاتهامات على مخالفات ادارية اجرائية ، تحتمل الصواب والخطا ، ويقع اغلبها في دائرة الاجتهاد ، وقد شملت بقانون العفو العام، فان اقل ما يمكن ان يوصف به مجلس النواب هنا بانه ( كالمنبت الذي لا ارضا قطع ولا ظهرا ابقى) .