يا بحر مهلك علينا


صوت المنادي من بعيد: لم يبق لدينا أي جثة مفقودة في فاجعة البحر الميت .
بهذه الكلمات خُتم المشهد و انطفأ القنديل
فاعتصر قلبي أنا..و خفت أكثر
نعم خفت أكثر !
لست أعرف اذا كانت جمله ذلك المنادي هي سيدة الموقف فعلا في حدث ربما كان الأكبر أثرا و صدمة علينا في الأردن حيث أسدل الستار -على الأقل- على عملية البحث عن المزيد من الإبتسامات و الدموع و بذلك سيتوقف الحديث عنها ليستمر الحديث عن التحقيق .. تحقيق المسوؤلية.
هل علمتم ماذا أخافني اذا؟
أن الفاجعه حقيقة و واقع حدث فعلا عكس أمنياتنا جميعا و كم خِلت خلال الساعات الثقيلة الهامدة فوق روحي و ذاك الكرسي الذي لم أفارقه أن يكون الخبر مجرد كابوسا و حلما سيئا أو لعلّه شائعة و كذبة كتلك التي تسري في زوايا البلاد بين وقت و آخر.
مؤلم جدا كل ما حصل مسّ انسانيتنا و انفطرت القلوب و انقلب بيت كل أردني إلى مكلوم.
إنه البحر الميت الذي أنعشته أخيرا ضحكاتهم البريئة و أرواحهم الطاهرة و غرتّه أجسادهم الغضّة فعاش مرة واحدة ليلهو معهم فابتلعهم ...و غابوا ... فعاد البحر ميت !
كم تساءلت مرارا و لازال السؤال هل سيبقى هناك حماس يشعل قلوبنا لنتجه إليه من جديد طلبا للراحة و الاستجمام ؟ و هل سَتُسمع صرخات الاستغاثة في هدوء الغروب على شواطئه الذي طالما وقفنا جميعا هناك لنلتقط صورا..
كم أنت مكلوم يا وطني، و إنه البحر الوحيد هنا و قد أصبح ميتا مرتين .
أيها الملائكة نعتذر منكم فلن تطفئ أحضان الأمهات بعودتكم ككل يوم و لن يعود صدى صوتكم ليثلج قلب أم كعادتها إن غاب عنها طفلها نادته : أنت وين ؟
ردّ : أنا هون ... فاطمأنت أن القلب بخير.
و برغم الفراق القسري لن تتوقف و لن تنتهي قصة العشق التي تبدأ منذ اللحظة الأولى التي تتيقن كل أنثى أنها بداخلها الآن بذرة حياة فترعاها لحظة بلحظة ثم تفرح و تستعجل أن يكبر أبناؤها فتحتفل بأول خطوة لهم ايذانا أنهم ولدوا للحياة و تنسى أن معنى ذلك حرفيا: أنهم يفارقون أحضاننا الآمنة ليواجهوا قسوة الطريق .
أطفال الفاجعة ..ملائكة الوطن بغيابكم اعلموا أن اليتم ليس للأبناء فقط بل أيضا للآباء و الأمهات و أن الحاجة إلى عناق طويل للشعور بالأمان ليس مطلب للأطفال فقط حين يعانقون أهاليهم بل هي حاجة الآباء و الأمهات إن ضموكم إلى صدورهم.
فسلام عليكم ..ناموا بهدوء و أمان
سلام عليكم أيها الراحلون إلى أعلى السماء
التاركين وراءكم شوقا لا تطفئه السنين
و ذكرى لن و لم تمحوها كل مشاغل الحياة...
الرحمة للقلوب الصغيرة و الصبر لك يا أردن .