حادثة البحر الميت... أرواح الأطفال تسائلكم

ثارت حادثة البحر الميت مشاعر الأردنيين جميعاً، فكل واحد منا شعر أن المصاب مصابه، وظل الأردنيون يتابعون الأخبار المتتالية وينشرون عبر وسائل التواصل الاجتماعي ما يرد لهم من أخبار أو صور أو فيديوهات، ولكن في خضم هذه الأحداث والأخبار جاء كلام جلالة الملك واضحاً ويضع النقاط على الحروف، حيث قال جلالته «حزني وألمي شديد وكبير ولا يوازيه إلا غضبي على كل من قصر بتخاذ الإجراءات التي كان من الممكن أن تمنع وقوع هذه الحاثة الأليمة...» فجلالة الملك أوضح أن هناك من يتحمل المسؤولية وعلى الجهات المختصة محاسبته، فما تم من تنصل من المسؤولية خلال الساعات الأولى من قبل الجهات المسؤولة فعلاً كان أداء بعيداً عن مفهوم المسؤولية، فالأساس أن المصاب كبير وليس الوقت وقت رمي المسؤولية على أطراف أخرى خوفاً على منصب أو كرسي زائل. كما أظهرت الحادثة عدم وجود حالة طوارئ حقيقية داخل وزاراتنا، وعدم استشعار المخاطر والتعامل معها إلا لحظة وقوعها، كما ظهر عدم وجود تنسيق حقيقي بين أجهزة الدولة المختلفة، فدائرة الأرصاد الجوية كانت هي الجهة التي يجب أن توجه تنبيهاً مباشراً للوزارات والجهات التي تؤثر حالة الطقس على نشاطاتها أو أدائها. وفي خضم هذه الأحداث كانت تتوارد بعض الأخبار حول شخص كان في إجازة فقطعها

 
وذهب إلى مكان الحادث وعارك المياه وأنقذ بعض الأرواح، ولم يعلم المسؤولون عن وجوده إلا لحظة خروجه من الماء إلى اليابسة، وبمقدار ما يجب أن نشكر هذا الرجل الإنسان على تفانيه، بمقدار ما يجب أن نقلق لأن مكان الحادث لم يكن مغلقاً ولم يكن تحت سلطة محددة، وكان العمل فيه عشوائياً. أما الجانب الأكثر قتامة فكان تداول الأردنيين لصور وفيديوهات غير إنسانية وتعرض الأطفال وذويهم لصدمات عاطفية، وبعضها يخالف المواثيق الدولية في حماية الأطفال، والمشكلة أن هذه الصور والفيديوهات كانت تتسرب من مكان الحادثة، وهو ما يؤكد عدم وجود انضباط ومسؤولية في مكان الحادثة. الأداء الحكومي الضعيف الذي اهتم برمي ثقل المسؤولية عن كاهله وتمسكه بقشة كي يثبت براءته من الحادثة أثار السؤال الصعب حول العقلية الحكومية التي تدير المشهد، وحق الحصول على المعلومة. حين يوجه جلالة الملك بضرورة محاسبة المسؤولين فهو لشعوره أن السفينة لم تكن تتجه إلى هذه الوجهة، فاضطر آسفاً أن يوجه الدفة الحكومية نحو الواجهة الصحيحة، وعلى التحقيقات أن تثبت من يتحمل المسؤولية، ويبدو أننا سننتظر استقالات من أصحاب المناصب العليا، وأمل ألا يكون التحقيق وهمياً يمر ببطء من دون مسؤولين. المواطن ينظر إلى حادثة البحر الميت على أنها اختبار حقيقي للحكومة ولإثبات مبدأي الشفافية والمحاسبة، وكذلك الاعتراف بوجود بنية تحتية ضعيفة يجب أن تسخر الأموال العامة لتطويرها. رحم االله الأطفال الذين رحلوا عنا وما زالت أحلامهم أكبر من واقعهم، وأعان االله ذويهم، وألهمنا سواء السبيل، وأن يخضع من يتحمل المسؤولية عن مختلف الأخطاء لمحاكمة عادلة.