فاجعة البحر الميت: ما هو أكبر من الحزن

على مدى أكثر من قرن بقيت بلادنا ترتبط بعلاقة هادئة مع الطبيعة، لم نعان خلالها لا من غضب الطبيعة ولا من كوارثها بالمعنى الحقيقي الذي نشاهده في العالم، لا أعاصير جارفة تمحق كل شيء أمامها وتمحو مدنا وبلدات، ولا براكين هائجة تنهي الحياة على وجه الأرض، ولا حتى زلازل وهزات أرضية على الرغم من الهشاشة الطبوغرافية التي تعانيها المنطقة، ومع كل ذلك لنا نصيبنا في عالم الكوارث ومعظمها بصنع أيدينا.
فاجعة البحر الميت أكبر من الوصف، ومع التقدير الكبير لسيل العواطف والمشاعر التي عبر عنها ملايين الأردنيين إلا أن كل مشاعرنا وعواطفنا لن تعوض ما خلفه سيل البحر الميت من مأساة سوف تصبغ حياة عشرات الأسر المنكوبة، فالصدمة الحقيقية يجب أن تكون لقدراتنا واستعدادنا لمواجهة الظروف الجوية وهذا المستوى من الحالات الطارئة ولمستوى الضبط والامتثال في نظامنا التعلمي والصدمة الفعلية تبدو في المكاشفة حول واقع البنى التحتية.
من المؤلم أنه اعتبارا من هذه الحادثة الفاجعة وعملا بما سبقها من حوادث على الدولة الأردنية أن تضع الحالة الجوية وموسم الشتاء على القائمة باعتباره أحد مصادر التهديد الأساسية للمجتمع والدولة، وبالفعل لم ندخل مواجهة عسكرية أو غيرها ذهب بها هذا الحجم من الضحايا منذ عقود. وللأسف معظم الاختبارات التي تعرضنا إليها في آخر عقدين مع حالات الطوارئ الجوية أثبتت أن التعاطي مع هذه الحالات في مستويات متواضعة، تتطلب حالة التغير المناخي التي يشهدها العالم، ومنطقتنا جزء منه، إعادة الحسابات بشأن كثير من الأمور؛ ليس فقط بما يتصل بطريقتنا في إدارة أزمات الشتاء، بل وأيضا في نمط البنية التحتية، وثقافة الناس، كما العلاقة مع الطبيعة.
ماذا يعني أن تصبح الأمطار وتحديدا حالات الأمطار الرعدية وعدم الاستقرار الجوي مصدرا حقيقيا للتهديد قد يتجاوز مصادر تهديد تقليدية أخرى:
أولا: لقد وجه جلالة الملك إلى محاسبة المقصرين، و يجب أن لا تمر هذه الحادثة دون مساءلة حقيقية، ولا يجب البحث عن كبش فداء غير معني فعليا؛ فهناك جهات عامة وحكومية وأمنية تحتاج إلى مراجعات جذرية ومساءلة فعلية.
ثانيا: الحاجة إلى التفكير بصوت مرتفع بإنشاء نظام وطني للإنذار المبكر للسيول والفيضانات يحدد نقاط الخطر في طول المملكة وعرضها أي المناطق الأكثر عرضة للسيول والفيضانات كما هو الحال في نظام تصريف مياه الأمطار وإدارتها، حتى لا تتحول النعمة إلى نقمة.
ثالثا: ضرورة وضع خطط طوارئ فنية لبعض المناطق التي تشهد حركة بشرية واسعة، وظروفا خاصة ولها خصوصية طبيعية أيضا مثل مناطق البحر الميت وادي عربة، البترا، العقبة، وحتى عمان وشاهدنا نجاح بعض التجارب السابقة مثلما حدث في البترا في شهر أيار الماضي حينما داهمت المدينة الأثرية سيول جارفة بسرعة وبشكل مفاجئ حينها فُعلت خطة طوارئ معدة مسبقا كان وزير الأشغال الحالي على رأسها حينما كان رئيس مفوضي البترا وتم إنقاذ آلاف السياح وحالت دون وقوع كارثة حقيقية.
رابعا: حان الوقت للتوقف أمام أحوال البنية التحتية والطرق الخارجية والعبارات ومئات العطاءات التي أحيلت في آخر عقدين وأحيلت ونفذت بطريقة تطييب الخواطر، ملف الفساد الكبير في الطرق والإنشاءات يحتاج إلى كلام كبير ومسؤول وبجرأة، ومن جهة أخرى حان الوقت إلى مراجعة معايير وكود الإنشاءات العامة بما يضمن الملاءمة مع الظروف الطبيعية وحالة التغير المناخي.
خامسا: مشكلة النظام التعليمي ليس بمخالفة المدرسة لخط سير الرحلة بل في الحاجة إلى إرساء ثقافة جديدة لدى المعلمين والمعلمات والأهالي والمدارس تقوم على حماية الأطفال وعلى التعامل مع ظروف الطوارئ والحالات الجوية المفاجئة والكوارث الطبيعية. علينا أن نتعامل جديا بأننا قد نتعرض لما هو أسوأ وقد نتعرض لزلازل وهزات ولانهيارات أرضية كبيرة. وعلينا أن نعي بأن هذا ما يحدث في العالم، والفرق في الاستعداد.

FacebookTwitterطباعةZoom INZoom OUTحفظComment