|
غادرت عشرات من آليات نقل الجنود مدينة حماة بعد عملية عسكرية واسعة وذلك فيما تواصلت هجمات الدبابات في ريفي دمشق وادلب، متجاهلة دعوات وقف ارقة الدماء وموجة الاستنكار الدولي والعربي لحملة القمع الدموية ضد المتظاهرين.
وشوهدت حوالى اربعين آلية ترفع كل منها العلم السوري وتقل جنودا كانت تغادر المدينة. وردد بعض الجنود الذين كانوا يرفعون اشارة النصر «بالروح بالدم نفديك يا بشار» و»الله سوريا بشار وبس». وبدت ساحة العاصي في وسط المدينة حيث جرت تظاهرات ضمت حتى نصف مليون شخص ايام الجمعة في تموز، خالية باستثناء بعض السيارات والمارة. واغلقت المحلات التجارية. وفي اماكن اخرى، تقوم السلطات بتنظيف الشوارع وجمع الحجارة التي تغطي الارض وازالة كتابات من على الجدران. وفي حين ابدى سكان في المدينة ارتياحهم لوجود الجيش و دحر» المخربين»،قالت المنظمة الوطنية السورية لحقوق الإنسان إن ما لا يقل عن 50 شخصا بينهم 8 اطفال قد لقوا حتفهم عندما هاجم الجيش بعض ضواحي حماة الثلاثاء.
وفي انقرة، قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ان السفير التركي في سوريا زار امس مدينة حماة حيث شاهد بدء انسحاب الجيش السوري منها. واقام اردوغان رابطا بين انسحاب القوات وزيارة وزير الخارجية التركي امس لدمشق. واضاف «انه بالطبع امر مهم جدا بالنسبة الى النتائج الايجابية للمبادرة (التركية)». وكان اردوغان دعا سوريا الى تطبيق الاصلاحات دون ابطاء. واوضح «نأمل في ان ينتهي كل شيء في غضون 10 الى 15 يوما وان تخطو سوريا خطوات نحو تطبيق الاصلاحات»، مؤكدا ان أنقرة وجهت رسالة واضحة الى سوريا بالكف عن اراقة الدماء .وقال اردوغان «في سوريا .. الدولة تصوب المدافع على أبناء الشعب. رسالة تركيا الى الاسد واضحة جدا.. أوقفوا كل أشكال العنف واراقة الدماء»
لكن الرسائل التركية لم تثن دبابات الجيش السوري من مواصلة هجومها الكاسح ضد مواقع الاحتجاج. فقد اكد سكان ان الدبابات اقتحمت بلدتين بالقرب من الحدود مع تركيا .
وقال المرصد السوري لحقوق الانسان ان امرأة قتلت عندما اقتحمت 12 دبابة وعربة مصفحة وعشر حافلات كبيرة محملة بالجنود بلدة تفتناز الواقعة على بعد 30 كيلومترا عن الحدود مع تركيا. ووقع هجوم مماثل على بلدة سرمين القريبة تحت وابل من نيران الرشاشات الثقيلة ما اسفر عن اصابة عشرة اشخاص بجروح، اربعة منهم حالتهم حرجة.
واشار المرصد ايضا الى «اقتحام قوات هائلة من الجيش مدينة زملكا وعربين وحمورية في ريف دمشق ... وقيام قوات الامن بمصادرة جميع الدراجات النارية والبدء بحملة اعتقال كبيرة».
وقال نقلا عن ناشطين ان «اصوات الرصاص مسموعة حتى المدن المحيطة وهناك قطع كامل للاتصالات عن المدن والبدء بحملة مداهمات للبيوت واعتقالات منذ الفجر».
من جهة اخرى، اكد المرصد ان مدينة دير الزور اصبحت تحت سيطرة دبابات الجيش السوري وسط «استمرار القصف بالرشاشات الثقيلة في حيي الموظفين والمطار واحراق بعض المنازل والدراجات النارية من اجل ترهيب الناس». كما اشار الى «انتشار للقناصة على اسطح المباني المرتفعة وكل من يشاهد في الشارع يطلق الرصاص باتجاهه». واضاف المرصد «هناك مخاوف لدى الاهالي من عملية اقتحام جديدة» ينفذها الجيش وقوات الامن، مؤكدا ان «الاجهزة الامنية تنفذ منذ حملة مداهمات واسعة واعتقالات في معظم احياء المدينة»، مشيرا الى «اعتقال نحو ستين شخصا حتى الآن». واكد ناشط في المدينة ان «هناك قوائم لمطلوبين تشمل نشطاء الحراك الشعبي». وقالت اللجان التنسيقية المحلية المعارضة إن 37 مدنيا، بينهم 11 طفلا ، قتلوا في دير الزور الثلاثاء. بموازة ذلك، عزز العراق اجراءات الامن على الحدود مع سوريا عبر حفر خندق بطول 45 كيلومترا اضافة الى تكثيف عدد الدوريات والكمائن .
وفي حمص، اكد ناشطون مقتل 11 شخصا برصاص قوات الامن قبل ساعة من موعد الافطار. وقال احد الناشطين ان «قوات الامن اطلقت النار بشكل عشوائي على الناس في حي بابا عمرو فسقط 16 قتيلا واصيب اخرون بجروح». واضاف الناشط «لقد بدأوا حملة اعتقالات في المنازل وفتحوا النار على كل من يحاول الهرب». وقال ناشط اخر «لقد فوجئنا باطلاق النار، فلم تكن هناك تظاهرة في المدينة مع استعداد الناس للعودة الى منازلهم لتناول الافطار».
وقد دانت الجزائر امس العنف في سوريا، داعية الى التحلي بالحكمة والى حوار وطني شامل، وذلك فيما تظاهر اكثر من الفي كويتيامام سفارة سوريا في الكويت مطالبين بطرد السفير السوري و»تجميد» العلاقات مع دمشق.
من جانبها، دعت جماعة الأخوان المسلمين في مصرإيران إلى وقف دعمها للنظام السوري في الجرائم التي يقترفها ضد شعبه ، مطالبة دول الجوار بالمشاركة في وضع صيغة لتسوية الأزمة الداخلية في سورية لتجنب اشتعال حرب إقليمية. وقاربت الجماعة بين «تصرفات الجيش السوري وعدوان جيوش الاحتلال، وذلك من حيث التدمير الواسع للمدن والطابع الدموي للحرب ضد المدنيين «. مشيدة في الوقت نفسهى بخطوة السعودية وبعض دول الخليج بسحب سفرائها من سورية.
غير ان هذه الخطوة ربما انعكست سلبا على السعوديين المقيمين في سوريا، حيث أكد رئيس جمعية حقوق الإنسان السعودية مفلح القحطاني اعتقال عشرات من المواطنين السعوديين في سورية «بسبب جنسيتهم السعودية». ونقلت صحيفة «الوطن» عن القحطاني قوله إن « اعتقالهم ليس على ذمة قضايا جنائية حسب الشكاوى التي وردت للجمعية من الأسر السعودية.
وتواصلت الضغوط على سوريا لوقف قمع الحركة الاحتجاجية. فبعد اعلان الخارجية الاميركية ان واشنطن تجري مفاوضات مع شركائها من اجل «تشديد» العقوبات المفروضة على نظام الاسد، اشارت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند إلى أن صبر الولايات المتحدة تجاه سورية ينفد، حتى وإن لم تدع واشنطن بشكل مباشر إلى إقصاء الأسد، مستبعدة في الوقت نفسه أن يكون هناك «أي نوع من الشراكة مع نظام يفعل مثل تلك الأمور مع الأبرياء».
ولفتت المتحدثة الى ان سوريا لم تغتنم فرصة اليد الممدودة التي عرضتها عليها الولايات المتحدة لدى تولي الرئيس باراك اوباما مقاليد الحكم في 2009. وقالت «في حالة سوريا ان الرسالة منذ 2009 كانت: اذا كنت مستعدا لجعل سوريا منفتحة سياسيا، اذا كنت مستعدا لان تكون اصلاحيا، اذا كنت مستعدا للعمل معنا من اجل السلام في الشرق الاوسط وفي مواضيع اخرى نتشاطرها، يمكن ان يكون بيننا نوع جديد ومختلف من الشراكة». واضافت «ولكن هذا لم يكن الطريق الذي اختاره الاسد». واكدت المتحدثة ان واشنطن لا تستدعي سفيرها في دمشق لانها تريده ان يستمر في ايصال هذه الرسائل الى السلطات السورية.
واضافت «ولكن رسالتنا لن تتغير، ومفادها ان ما يفعله (الاسد) مقزز ومقيت وخطر ويقود بلده في الاتجاه الخطأ»، مشددة على ان واشنطن لن تجري اي تعاون سياسي او اقليمي مع النظام السوري.
وقالت «لا يمكن ان يكون هناك اي نوع من الشراكة مع نظام يرتكب مثل هذه الافعال بحق ابرياء». وفي وقت لاحق قال البيت الابيض ان الرئيس باراك اوباما يعتقد ان سوريا ستكون افضل حالا بدون الاسد.
في الوقت نفسه، التقى وزير الخارجية السوري وليد المعلم وفدا يضم مبعوثين من جنوب افريقيا والبرازيل والهند، الدول التي تشغل مقاعد غير دائمة في مجلس الامن الدولي واكد لهم تصميم بلاده على اجراء حوار وطني والقيام باصلاحات.
اعلنت الحكومة البرازيلية الثلاثاء ان بعثة من الهند والبرازيل وجنوب افريقيا ستزور دمشق لنقل رسالة «حازمة» الى النظام السوري بوجوب وقف القمع الدامي الذي يشنه ضد المتظاهرين والحوار مع المعارضة.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية البرازيلية ان الوفد سيجري «حوارا صريحا وحازما». واضاف «ليس مقبولا استخدام العنف المفرط ضد متظاهرين عزل»، مؤكدا «نريد ايضا حض الاسد على مواصلة الحوار الذي وعد به». وقالت وكالة الانباء السورية الرسمية (سانا) ان المعلم «شرح للوفد الاوضاع التي شهدتها بعض المدن السورية نتيجة قيام مجموعات مسلحة بالقتل والتخريب».
الى ذلك، قال محللون ان النظام السوري لن يغير في القريب المنظور على ما يبدو سياسته في قمع الحركة الاحتجاجية بل سيدير ظهره لموجة الاستنكار الدولي والعربي. ويقول رامي خوري رئيس مركز عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الاميركية في بيروت ان «النظام السوري ابدى مقاومة شرسة للضغوط الدولية، والمواقف الاخيرة الصادرة عن السعودية وعن مجلس التعاون الخليجي وتركيا لن يكون لها وقع فوري». غير ان خوري يرى في المقابل
ان سوريا «تتجه الى مزيد من العزلة على الساحة الدولية في الوقت الذي تزداد الضغوط الداخلية عليها، وان نظام الرئيس بشار الاسد سيجد نفسه مضطرا للبحث عن مخرج للأزمة».
ويضيف لوكالة فرانس برس «عندما يصبح النظام السوري معزولا تماما ولا يحظى باي دعم سوى الدعم الايراني، عندها سيشعر انه في مشكلة حقيقية وسيعمل على البحث عن مخرج الا ان الوقت قد يكون حينها متأخرا».
ويرى المحلل في مجموعة الازمات الدولية بيتر هارلينغ ان النظام السوري «وصل في اعمال العنف الى مستوى يجعل من الصعب على أي طرف ان يبقى صامتا حيال ما يجري». ويضيف ان «العالم بدأ يشعر باليأس من هذا النظام».
ويرى المحللون ان الفرص بدأت تتضاءل أمام نظام الاسد في تصحيح مسار الامور مع ارتفاع عدد القتلى وتصميم المتظاهرين على مواصلة الاحتجاجات.
ويقول هارلينغ ان «الوضع يتجه نحو انهيار دراماتيكي، لكن من المستحيل معرفة توقيت ذلك وظروفه».
ويرى مدير معهد كارنيغي لدراسات الشرق الاوسط بول سالم ان مؤيدي النظام السوري في الداخل قد ينقلبون عليه اذا واصل حملته لقمع الاحتجاجات في الاسابيع المقبلة، وقد يشكل ذلك نقطة التحول في مسار الاحداث.
ويضيف ان «هناك ثلاث جماعات اساسية هي العلويون والقوات المسلحة والاجهزة الامنية وطبقة التجار في دمشق وحلب» سيكون لها دور حاسم في مسار الاحداث. ويتابع سالم «لكن لا يمكن ان نتكهن اي منها سيكون الاول في التخلي عن النظام».ويؤكد «هذا النظام سيسقط، ولكن يصعب التكهن متى وكيف»
|