(بيوت العزاء) اصبحت مكانا للتسلية!

(بيوت العزاء) اصبحت مكانا للتسلية!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدكتور: رشيد عبّاس
الحديث عن بيوت العزاء يطول ويقصر, وللأسف الشديد اصبحت هذه البيوت عند البعض اقول عند البعض مكانا للتسلية ومكانا لجمع المعلومات وتقصي الاخبار, كيف لا والبعض منا يقوم بتكرار الذهاب الى بيت العزاء مرة ومرتين وثلاثة مرات خلال الثلاثة ايام والتي ليس لها اصلا في ديننا الحنيف, وهنا أطرح السؤال الجوهري الاتي, لماذا هذا التكرار؟ هل هذا التكرار للتعزية مرة ثانية وثالثة وربما رابعة لذرف الدّموع مع اهل المتوفى, ام هو لتناول مناسف التبذير ومناسف النميمة والغيبة والنفاق ورصد مكامن التقصير لدى اهل المتوفى, ام للتسلية وجمع المعلومات وتتقصي الاخبار؟ اسئلة اطرحها (فقط) على اصحاب الفكر الراقي وعلى اصحاب قرآن الفجر للخروج من هذه البدع والضلالة, نعم أطرحها في الوقت الذي فيه اشارات استفهام كبيرة حول مشروعية فتح بيوت العزاء ثلاثة ايام, واشارات استفهام اكبر حول مشروعية تقديم الاكل والشرب وعلى رأسها المناسف لبعض المقيمين والجالسين و(المفسفسين) والمترددين على بيوت العزاء.
كيف فهمنا يا اصحاب الفكر ويا اصحاب سورة المائدة ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما بلغه موت ابن عمه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في غزوة مؤتة قال: (اصنعوا لآل جعفر طعاما, فقد اتاهم ما يشغلهم)؟ هل فهمنا من ذلك الاقامة ثلاثة ايام متتالية بسواليف فارغة مع تقديم الطعام والشراب لمن هب ودب؟ ام ان المقصود من ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم هو صناعة وليس اعداد للطعام وهناك فرق واسع بينهما, ولآل (اهل) المتوفى فقط المنشغلين بتجهيز ودفن ميتهم, نعم علينا فهم (اصنعوا لآل جعفر طعاما, فقد اتاهم ما يشغلهم) فهما جيدا وعميقا كي لا نقع في ملف البدع في بيوت العزاء والتي ربما توقعنا بأكثر من ضلالة واحدة, وكل واحدة من هذه الضلالات كافية لإدخالنا النار(والله اعلم).
والمتتبع لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم, والمنقب لآراء الأئمة الأربعة أئمة المسلمين وجمهورهم في هذا المجال, سيجد دون ادنى شك انه ينبغي اجتناب أمرين هامين هما الاجتماع للتعزية في مكان خاص كالبيت والمقبرة أو المسجد, واتخاذ أهل الميت الطعام ضيافة القادمين للعزاء, وإنما السنة أن يصنع أقارب الميت وجيرانهم ولأهل الميت فقط طعاما يكفيهم، وأن يعزى أهل الميت ثم ينصرف كل في حوائجه دون أن يجلس أحد من المعزى أو المعزي, أما ما يفعله أهل الميت اليوم من عشاء وأربعينية فلا أصل له، وإذا أرادوا الصدقة عن الميت بإطعام الطعام فينبغي أن لا يتقيدوا بيوم معين، ولو تصدقوا على الفقراء بنقود فهو خير لهم ويفضل بعض علماء الدين (اخفاء اسماء المتصدقين والمتصدق عليهم واخفاء المبلغ المتصدق به), لأنه أبعد عن الرياء وأنفع للفقراء وأبعد عن الحرج والاحراج.
بقي ان نقول: كي لا تكون بيوت العزاء مكانا للتسلية, ومكانا للأكل والشرب, ومكانا لجمع المعلومات وتقصي الاخبار, ومكانا لتصميم المشاريع التجارية وتحليل نشرات الاخبار, ومكانا للفتن,..نعم كي لا تكون بيوت العزاء فنادق سبع نجوم, فإنني ادعو اصحاب الفكر واصحاب اليمين, وان كان لا بد من ذلك: ادعوهم عدم تكرار التعزية لأكثر من مرة واحدة للشخص الواحد خلال الثلاثة ايام لان ذلك يثير تساؤلات واشارات استفهام كثيرة, وادعوا ايضا الى صناعة الطعام لآل (اهل) المتوفى والمعزيين القادمين من مسافات بعيدة فقط بعد الدفن مباشرة, وان يكون حديث الحضور حول الموت والتذكير به, اذا كنا حريصين على تطبيق سنة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم, وقبول عباداتنا عند الذي يعلم السر وأخفى, وخلاف ذلك يكون عرض عضلات ليس الا, في الوقت الذي نحن بحاجة ماسة فيه الى عقول تفوح منها شعائر الايمان الحقيقي, وليس الى عضلات تراكمت فيها مادة الكلس.