أمام وزير الثقافة والشباب العربة بدائية والقيادة عشوائية
بداية نبارك لمعاليكم الثقة الملكية باختياركم وزيرا للثقافة والشباب وانتم أهلا لها إن شاء الله بما عرف عنكم من خلق رفيع وتواضع جم وثقافة عالية داعين الله العلي القدير ان يكلئاكم برعايته وتوفيقه وان يعينكم على حمل امانة المسوؤلية والأمل معقود بكم وعليكم كواحد من أبناء المسيرة الثقافية والإعلامية والفكرية العارف بدروبها وآلامها وأمالها بما لكم من خبرة طويلة وفكر متنور وتحليل متميز ووعي مشهود وانتم اليوم تحت المجهر والضوء وفي الميدان جنديا أمينا وصادقا ومقدام معولين عليكم بذل قصارى جهدكم لتفعيل وتطوير وتجديد ودعم وتأييد الحراك الثقافي الوطني بالعمل المنظم والمتابعة المستمرة والتوجيهات السديدة ليكون قادر على مواكبة الإبداع ومواصلة العطاء ومواجهة التحديات والارتقاء نحو التميز والمنافسة
من المؤكد بأن الثقافة ليست ترفا بل هي ضرورة حياة ووجود وهي مكون أساسي للوجدان الشعبي وللهوية الأردنية وعلى الرغم من أنها تعتبر جزء مهم في حياة الأمم والشعوب وفي الدول المتحضرة يقاس مستوى التقدم والتطور في مجتمعاتها بعلمائها ومفكريها ومبدعيها والثقافة أصبحت حاجة ملحة في هذه المرحلة وخاصة لفئة الشباب لكونها تشكل الحصن المنيع الذي يحميهم من الوقوع في الانحراف والانجرار نحو الأفكار الملوثة والمتطرفة وهي ركيزة أساسية في تحقيق التنمية الفكرية والنفسية والسياسية والاجتماعية والإنسانية وبما يخلق أجيال من ذوي الخبرة العملية والرؤية العقلانية التي تثري التفاعل الوطني وتؤسس لخيارات وسياسات مستقبلية موضوعية تضع الشأن الثقافي على الطريق الصحيح عبر الحوار الثري والنقد البناء إلا أن واقع الحال يؤكد وبصورة واضحة تغييب وتهميش المسيرة الثقافة عن المشهد الوطني العام والتقصير في دعمها ورعايتها
في عام 2016 وبعد مضيها ثلاث سنوات في منصبها وهي تديره بأسلوب ست البيت صرحت وزيرة الثقافة في حينه خلال برنامج اسأل الحكومة بأنها مع إلغاء وزارة الثقافة بحجة عدم جدوى وجودها وصعوبة التعامل مع الوسط الثقافي بالنظر للحساسية العالية لدى المثقفين وبحكم التحديات التي يطرحها العصر الحالي بكل تعقيداته وملابساته واشكالياته تعاني الثقافة في الأردن من امتداد حالة العشوائية وترهل اداء المؤسسات القائمة وسيطرة الشكلية والبيروقراطية على جميع الوزارات المعنية بالثقافة حيث تراكم الكم من المنتج الثقافي وغاب النوع والتميز مما افقدنا متعة الحياة ضمن مجتمع ناهض ثقافيا ومعرفيا والسبب يعود الى العقلية التي تخطط للثقافة حيث تميل الى الدعاية والتسويق والترويج التجاري للثقافة أكثر من الاهتمام ببناء مشروع للنهضة الثقافية رغم ان المجتمع الاردني قادر على رفد الواقع بالعقول المبدعة والمواهب الخلاقة لكن السياق العام غالبا ما يهتم بالشكليات ولا يتيح للمواهب الجادة فرصة المشاركة أو التأثير مع ضرورة التأكيد على ان الثقافة لا تنهض الا في إطار منظومة متكاملة تسهم فيها جميع المؤسسات التعليمية والتربوية والثقافية والإعلامية مع وضع برامج جادة طويلة المدى للأنشطة الثقافية وتربية الكوادر في مختلف النواحي ورعاية الإبداع الثقافي في المجالات العلمية والفكرية والادبية والفنية والدينية دون خوف من الرقابة العلنية أو المستترة ووضع برامج وخطط تقود الى تشكيل رؤية نقدية معاصرة لما يجري حولنا في جميع مجالات الإبداع
منذ سنوات عديدة تنتهج وزارة الثقافة سياسة التوائية تحميل فيها المثقفين بمختلف أطيافهم وزر فشل بعض برامجها ومشاريعها الثقافية وهي تبحث عن شماعة لتعليق أخطائها المتكررة عليها دون تحمل أي مسؤولية جراء غياب دورها الإداري والمؤسساتي الثقافي وعدم اكتمال البرامج وتخبط وضعف الاستراتيجيات واقتصار وظيفة الوزارة على تكريم المثقفين والمبدعين وإصدار أوامر المنع والمنح كما تفعل الآن في وقت يعتقد الكثيرين فيه أن الحكومات المتعاقبة لم تنظر إلى حقيبة وزارة الثقافة إلا مجرد مقعد استرضائي لا مجال للتطوير أو الإنتاج فيه كباقي الوزارات الأخرى وأن وجودها يُثقل كاهل الحكومات والتي لم يعمل معظمها على بناء السياسات الثقافية الممنهجة والواضحة التي تدعم الثقافة ماديًا ولوجستيًا وتروج للعمل الثقافي وتخلق توأمة حقيقيّة مع الوسط الثقافيّ وتوفر الفضاء الرحب للمثقفين والمبدعين للتعبير عن أنفسهم بكل مرونة وايجابية وفي إطار شامل من التشاركية الهادفة للنهوض بثقافتنا التي تعبر عن وجدان الأمة وتعكس إرثها الحضاري والتاريخي والعقائدي في مواجهة المد التكفيري والأفكار الظلامية وما يتطلب ذلك من بناء ثقافة وطنية راسخة تقوم على تقبل الآخر واحترام الرأي المستنير ونشر الفكر التنويري القائم على الوسطية والاعتدال وما تشكله الثقافة في هذا المجال من سلاح مهم في توعية المواطنين كصمام أمان من الانحرافات والأمن الثقافي لا يقل أهمية عن الأمن العام وقوات الدرك والجيش في حماية الوطن والدفاع عنه
ومع تطور الحياة والياتها لا بد لوزارة الثقافة من الخروج عن مسار النمطية التقليدي في برامجها الثقافية والعمل على تكريس ثقافة السلوك والتواصل مع الوزارات كافة خاصة التربية والسياحة والاتصالات ودعم المكتبات في المناطق النائية وان يكون الدعم المقدم للهيئات الثقافية دعماً برامجياً وتحفيزاً للنشيط منها ليكون بمقدورها تقديم برامج تجسد الواقع الثقافي بكل مكوناته في ظلّ أعداد الهيئات الثقافية المتشابهة بالهدف والمضمون بالإضافة إلى عدالة توزيع الدعم الذي تقدمه الوزارة للهيئات الثقافية ليكون شاملاً لكل الهيئات الثقافية العاملة في المحافظات وبما يخلق حركة ثقافية شامله ومنوعة والحاجة الى إطلاق حملة وطنية شاملة تتبناها الوزارة ضد التطرف والارهاب وتشكيل مجلس أعلى دائم للثقافة يمثل كل الأطراف الثقافية في المملكة وإعادة صياغة المكون الثقافي في المجتمع لمواجهة الفكر الإرهابي الغوغائي على اعتبار أنه لا يمكن لأي مجتمع أن يكون قابلاً للتطوير والنمو دون أن تكون هناك تربيه ثقافية تربط الأسرة والمدرسة والمجتمع المحلي والقوى المدنية والسياسية والثقافية ومخاطبة جيل الشباب بلغةٍ مدنيّةٍ متحضرة بعيدًة عن مفاهيم الكراهية والعنف والإقصاء وعدم تهميش المثقفين والمبدعين ورعايتهم ودعمهم بجدية من خلال صندوق دعم الثقافة وإعطاؤه البعد التشریعي اللازم وتوفير حقوق للمثقفين بمختلف شرائحهم في مجالات التأمين الصحي والتقاعد والإسكان
ومع التطور التقني والمعرفي وعصر الثورة المعلوماتية اصبح من الضروري تحول متاحفنا إلى الشكل الرقمى وإتاحة الكتاب الثقافى على مواقع الإنترنت ولو حتى بالشراء الميسر وتقديم خدمة ثقافية أفضل للمواطن من خلال البنية المعلوماتية والتكنولوجية وقواعد البيانات الثقافية بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وإتاحة المواد السمعية والبصرية المتوفرة لديها على مواقعها الإلكترونية فالأصل فى الثقافة الإتاحة ودور وزارة الثقافة هو توفير هذه الثقافة بالشكل الذي يريده الناس وفقا لمنطق الواقع الحالي وليس وفقا لعصر الظلمات والممنوعات ومقص الرقيب والعمل على إعادة صیاغة النظرة لوزارة الثقافة والمساهمة في عودة الالق الیھا بشكل مؤسسي وترتیب البیت الداخلي خاصة في الجانب المادي والتركیز على الھیئات الثقافیة الناشطة التي تحمل رؤیة ولدیھا إنتاج ثقافي متمیز ومستمر ونشاطات ملحوظة ومخاطبة البعثات والھیئات الدبلوماسیة المعتمدة في المملكة لاقتناء المنتج الثقافي الأردني وتفعیل الاتفاقیات الموقعة مع الأشقاء العرب والدول الصدیقة بما یفید الأدباء والمثقفین الأردنیین والخروج بالفعل الثقافي من حيز المركزية المفرطة من خلال تبني الوزارة لسياسة ثقافية واضحة تدعم الإنتاج الإبداعي في كافة مناطق المملكة
ومن نافل القول انه من واجب الحكومة رعاية العملية الثقافية وتنسق أعمالها ضمن الرؤية الوطنية والقومية وألا تترك الدولة مؤسساتها الثقافية في مهب الحاجة إلى التمويل الأجنبي وأن لا تتركها هياكل شائبة تسير من غير هدى وعرضه للاختطاف من قبل المترصدين وان معظم المبالغ المرصودة لوزارة الثقافة تذهب في العادة تجاه مصاريف جارية على نفقات احتياجات الوزارة ورواتب ومخصصات أجهزتها وطواقمها الإدارية ولا تصرف أكثرها تجاه الأنشطة الواجب على الوزارة رعايتها في حين يتوجب ان يكون اهتمامنا موّجه كليا نحو جعل وزارة الثقافة مخبرا حقيقيا للبحث وتطوير الممارسة الثقافية ومواكبة المستجدات في نطاق استشراف المستقبل
وإذا اعتبرنا أن الثقافة ركيزة أساسية للتقدم والتنمية والحضارة وهي كذلك فإن المثقف هنا يمثل حجر الزاوية بل ومهندس عمليتها الإنمائية إضافة إلى أن المثقف كمبدع ومبتكر وصاحب فكر ورأي يؤسس لبيئة ومجتمع واعٍ وراقٍ ومتحضر الأمر الذي ينعكس بالضرورة على تطور الدولة والوصول بها إلى الدرجات الأمثل في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة التي تنشدها
mahdimubarak@gmail.com