قانون يهودية الدولة (3) العوامل المؤدية لطرح قانون يهودية الدولة

ثمة العديد من العوامل والظروف التي ساعدت على تبني طرح هذا القانون للنقاش وتصدر واجهة العملية السياسية والفكرية في إسرائيل وصولا لاقراره، ويمكن تصنيفها إلى ثلاثة سياقين رئيسيين:
أولا: السياق الدولي والإقليمي
تم طرح القانون للنقاش في مجلس الكنيست الثامن عشر (2009-2013)، وهو الكنيست الذي اشتىعلت في فترته شرارة الربيع العربي، كما أنه الكنيست الذي شهد على تراجع الدور الأمريكي الخارجي في عهد الرئيس السابق باراك اوباما، وبذات الوقت تباطؤ وجمود تفاعلات عملية التسوية السلمية في عهد حكومة نتنياهو.
إن إرتباط هذا الطرح بالبيئة الإقليمية المنشغلة بتفاعلات الربيع العربي؛ وأبرز انعكاساتها على الصراع العربي الصهيوني هو تراجع أولوية القضية الفلسطينية لحساب القضايا الداخلية للبلدان العربية المختلفة سواء تلك التي وصلها الربيع العربي أو الأخرى التي لم يصلها هذا الربيع على إختلاف تسمياته، وبالتالي يمكن إعتبار هذا الطرح بمثابة إستغلال للظروف العربية المنشغلة عن تفاعلات القضية الفلسطينية.
كما أن وصول عملية التسوية السلمية مع الفلسطينيين في عهد نتنياهو إلى أفق مسدود جعل إسرائيل تستقوي على الفلسطينيين في ظل تراجع المساندة الدبلوماسية العربية للجانب الفلسطيني، وحينئذ أخذ الجانب الإسرائيلي يقدم مطالب تعجيزية كأرضية للحل السلمي، وقد تبدو تلك المطالب غير جادة في الأساس لأن بها تبجحا وتململا أكثر من كونه طرح عملي جاد.
حيث طالب نتنياهو الجانب الفلسطيني بالإعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، لكن الفلسطيين رفضوا، وأصروا على الإعتراف بإسرائيل دون الخوض بهوية الدولة، وذلك نابع من الفهم الفلسطيني للإقرار بيهودية الدولة وتبعات هذا الإعتراف على إلغاء حق العودة أو التعويض للفلسطيين، وحق اليهود بالهجرة إلى إسرائيل وقتما يشاؤون، وذلك كله رغم أن من يتبنى طرح هذا القانون في أروقة الكنيست غالبيتهم من الرافضين لحل الدولتين في التسوية السلمية الفلسطينيين.
ويمكن في هذا السياق أيضاً الحديث عن نجاحات السلطة الفلسطينية في حصد العديد من النجاحات الدبلوماسية في مجال الإعتراف بالدولة الفلسطينية؛ وهو أمر يتم تفسيره بإسرائيل بأنه يجسد خسارة سياسية يجب التعامل معها، وبالتالي يمكن النظر لطرح القانون الذي يعيد التأكيد على يهودية الدولة الوارد في صيغة 1948 ولا يخلق واقعا جديداً بأنه ردة فعل احترازية لتأكيد شرعية الدولة في المجتمع الدولي؛ وبذات الوقت لمواجهة سياسات المقاطعة الدولية لإسرائيل من خلال التأكيد على أن إسرائيل تشكل مرجعية لليهود في كافة دول العالم، وأن الدفاع عنهم من حق وواجب إسرائيل، وهذا الأمر يتيح من جديد إستخدام ورقة العداء للساميّة كورقة ضغط على البلدان التي يتواجد بها اليهود.
وفي الجانب الأمريكي؛ فقد بدى واضحاً أن اوباما وصل لقناعة بعدم أهلية نتنياهو لتقمص دور الشريك من أجل تحقيق السلام، إلى درجة ربما وصلت لخروج عن مسار الخلافات والمستويات السياسية والدبلوماسية إلى مستويات شخصية حادة، وأبرز محاور هذا الخلاف كان على إثر التعاطي الأمريكي مع قضية ملف ايران النووي حيث اتهم نتنياهو الإداراة الأمريكية بالتساهل مع اطماع ايران النووية والتي تهدد السلام في الشرق الأوسط بشكل عام وليس إسرائيل فقط، وهذا الأمر قد يكون مبررا لدى نتنياهو وفريقه في الحكم بإتخاذ مواقف متشددة للرد على حالة الخلاف تلك، وبالتالي وضع السياسة الأمريكية في موقف محرج أمام أصدقائها العرب وأمام المجتمع الدولي أيضا.
وفي هذا السياق أيضا لا يمكن إغفال العلاقة بين يهود الخارج وعلى رأسهم اليهود الامريكيين وبين إسرائيل، فقد شابت هذه العلاقة الكثير من الخلافات في ظل حكم الليكود ومن قبله كاديما، حيث وضعت اليهود الليبراليين الإصلاحيين في أمريكا بمواقف كثيرة محرجة جعلتهم لا يستطيعون الدفاع عن السياسات الإسرائيلية المعادية للسلام والمعطّلة للتسوية السلمية، وخاصة عقب تلك المشاهد المؤلمة من الحروب الإسرائيلية على غزة، وكل ذلك ساهم بتراجع مكانة إسرائيل لدى اليهود في الخارج مما حدى بمن صاغ القانون أن يجعل اليهودي في الخارج ينظر لإسرائيل ليس بوصفها دولته فحسب؛ بل أيضا الدفاع عنها.