فهد الخيطان يكتب: ثورة تولد انقساما في النخب السياسية
الموقف من الاحداث في سورية يرسم خارطة جديدة للتحالفات الحزبية والنقابية .
ظلت الحركة الحزبية والنقابية والشعبية الاردنية موحدة في مواقفها تجاه الثورات العربية في تونس ومصر اولا ثم في اليمن والبحرين الى حدٍ كبير , واستمر هذا التحالف في الموقف من الثورة الليبية رغم تدخل حلف الناتو العسكري ضد نظام القذافي. لكن ما ان امتدت رياح التغيير الى سورية حتى دب الخلاف في الصفوف, وبدأنا نشهد اصطفافا جديدا طال اوساط الاعلاميين والمثقفين. وبخلاف الثورات الاخرى ظهرت في الساحة هيئات "شعبية" لنصرة الثورة واخرى تساند النظام السوري. وسادت اجواء مشحونة بين المعسكرين وتبادلا الاتهامات في وسائل الاعلام والندوات. ومع اطالة امد الثورة في سورية من دون حسم يرجح ان يزداد الانقسام حدة وتوترا بين مؤيدي الثورة وانصار النظام.
اكثر مظاهر الانقسام تجلت في علاقة الحركة الاسلامية مع حلفاء تقليديين في النقابات والاوساط اليسارية التي اتخذت موقفا متحفظا من ثورة الشعب السوري بعكس الاسلاميين الذين اندفعوا في تأييدها مبكرا.
المناصرون للثورة السورية لا يملكون مصادر دعم لنشاطهم باستثناء وسائل اعلام وتيار في النقابات المهنية, بينما يحظى انصار النظام باسناد لوجستي من السفارة السورية في عمان التي تنظم الاجتماعات والزيارات الى دمشق, اضافة الى "جهود" تنظيمات موالية لحزب البعث في سورية, ومجموعات متشددة ترى في ثورة الشعب السوري "مؤامرة امبريالية".
لكن الانقسام الحاصل على ما فيه من دلالات يبقى محصورا في اوساط النخب الاردنية فما ان ينتقل السجال الى المستويات الشعبية والعامة يميل ميزان القوى لصالح الثورة بشكل واضح تعكسه تعليقات العامة من الناس في مختلف المناسبات, وفي هذا الشأن يمكن القول ان وسائل الاعلام - قناة الجزيرة على وجه التحديد - لعبت دورا حاسما في كسب التأييد الشعبي للثورة في سورية عبر تغطياتها المكثفة للاحداث وتسليط الضوء على الجرائم البشعة التي ترتكبها قوات النظام بحق المدنيين. المهمة كانت صعبة بلا شك فالنظام السوري كان يتمتع برصيد شعبي كبير بسبب مواقفه الداعمة للمقاومة في فلسطين ولبنان وما اظهره في السابق من مواقف ندية في مواجهة السياسة الامريكية في المنطقة. غير ان الاسلوب الذي انتهجه النظام في قمع الانتفاضة الشعبية وعدم الاصغاء لنصائح الاصدقاء بضرورة اجراء الاصلاحات المطلوبة بدد الجانب الكبير من شعبية النظام, واحرج المدافعين عنه في معظم الاقطار العربية, وفي الاردن تتبدى خسارة النظام جلية في موقف الحركة الاسلامية وامتعاض شخصيات سياسية مرموقة كانت على الدوام في صف المدافعين عن سياسة سورية الاقليمية, والحرج الشديد الذي يواجهه من تبقى من الاصدقاء.
الخلاف حول الموقف من الثورة في سورية انعكس على مواقف هذه القوى من الحراك الشعبي المنادي بالاصلاح في الاردن. لقد بدى واضحا للمراقبين ان انصار النظام السوري صاروا اكثر " واقعية " في مطالبهم واكثر تحفظا في شعاراتهم, اذ لا يعقل ان يرفعوا من سقف مطالبهم في الاردن بينما هم يطالبون بمنح النظام السوري فرصة لتحقيق المطالب ويتمسكون ببقاء الاسد في الحكم. اما انصار الثورة فما يحصل في سورية منحهم جرعة زائدة لتشديد ضغطهم من اجل اصلاحات جذرية, ويمكن ملاحظة ذلك في خطاب الحركة الاسلامية الذي بدأ يتخذ منحا تصاعديا في الاسابيع الاخيرة. ويسعى الطرفان من وراء ذلك الى تجنب اتهام الكيل بمكيالين او ان يقال انه يؤيد النظام هناك ويطالب باسقاطه هنا.
الغائب الابرز عن المسرح السوري في عمان هى الحكومة التي حاولت في البداية مساعدة النظام السوري على تجاوز الازمة وقدمت له المشورة والنصيحة, لكن ومع تفاقم الموقف خففت من اتصالاتها مع الجانب السوري واتخذت موقف المراقب القلق للاحداث والتزمت في تصريحاتها القليلة بلهجة دبلوماسية حذرة كان آخرها تصريح وزير الخارجية ناصر جودة الذي لم يتجاوز التعبير عن القلق والحزن لما يجري في سورية. ويوم امس نفى وزير الدولة لشؤون الاعلام نية الاردن سحب سفيره من دمشق على خطى دول خليجية بدأت حملة منظمة لارغام النظام السوري على وقف العمليات العسكرية ضد المدنيين في اكثر من مدينة سورية. ومن غير المرجح ان يقدم الاردن على اجراءات دبلوماسية او اقتصادية مع سورية الا في حالة صدور قرار من مجلس الامن بفرض عقوبات على سورية, وهو امر مستبعد في ظل الموقفين الروسي والصيني الداعمين للنظام السوري.
يبدو ان مفاعيل الخلاف حول الموقف من الثورة السورية لن تزول في وقت قريب ما دامت الثورة مستمرة, والمؤكد ان تداعياتها ستعيد رسم خارطة التحالفات السياسية والحزبية للمرحلة المقبلة, و تلقي بظلالها على الحراك الاصلاحي في الاردن.