ثقة الشعوب هي (العملة الذهب)

تجبرك التطورات المتلاحقة, التي فرضتها ثورات الربيع العربي, على البحث والتعمق فيما ترى من شواهد ومشاهد ومواقف, من الحكام من جهة ومن الشعوب من جهة اخرى. ولقد مرّ من الوقت ما يكفي لاستخلاص بعض النتائج; منها:

انه يصعب على الحاكم, الذي تَعوّد ان يحكم على مبدأ "انا وحدي الدولة" ان يتنازل عن ما يملك من سلطة الا اذا اجبر على ذلك, وهذا ما حدث في تونس ومصر.

وانه يصعب على الحاكم الذي تلوثت يداه بدماء ثورات الربيع العربي ان يتنازل, بعد ان رأى بأن "سلمية الجماهير" لا تعني التنازل عن محاسبة ومحاكمة الحكام كما حدث لرئيس مصر السابق حسني مبارك ولزين العابدين حاكم تونس. وهذا ما قد يفسر مواقف رؤساء ليبيا واليمن وسورية. الذين أداروا ظهورهم الى الجدار وتمادوا في تحدي الشعب بقوة الجيوش واسلحتها, التي لا تستخدم, في الدول, الا على الحدود.

وبين هؤلاء وهؤلاء في زمن الربيع العربي, حكام يلجأون الى العقل والحكمة من اجل استباق "وباء الثورة" الذي يتسرب عبر الحدود العربية. ولا حول ولا قوة لأي نظام التصدي له والنجاة من آثاره. فرفعوا شعارات الاصلاح واعلنوا عن برامجه, والمثال على ذلك النظامان الملكيان في الاردن والمغرب.. ومن يتابع خطوات الاصلاح في البلدين يرى التقاءهما على ضرورة "تعديل الدستور" كخطوة رئيسية تثبت جدّية مواقفهما في الاصلاح. ولقد أصبح الهدف من التعديلات الدستورية معروفاً, وهو اعادة توزيع السلطة بين السلطات الثلاث التنفيذية, التشريعية والقضائية في ظل ملكية دستورية.

غير انه من الملاحظ, ان التحركات الاحتجاجية في كل من الاردن والمغرب لم تتوقف رغم كل ما تم انجازه, لقد بقيت محافظة على موعدها في التعبير عن نفسها كل يوم احد (العطلة الرسمية) في المغرب والحال كذلك كل يوم جمعة في الاردن. وفيما ينتظر الاردنيون الاعلان الرسمي عن طبيعة التعديلات الدستورية لمعرفة مواقف القوى السياسية والحزبية والشعبية منها, فإن الاستفتاء على التعديلات في المغرب قوبل بمظاهرات واحتجاجات رغم ان الاستفتاء منحها اغلبية كبيرة.

بالطبع هناك, مبادرات اصلاحية اعلنت في اليمن وسورية لكن فرصة القبول الشعبي, او قبول المعارضة بها غير موجودة, نظرا لأن القمع الدموي, واستخدام القوات المسلحة ضد المتظاهرين غيّب كل فرصة لإحكام العقل, والبحث عن الحكمة لاجتراح الحلول.

في اليمن كما في سورية فقد الشعبان الثقة بالحكام وهو ما يجعل الربيع العربي (بطبعته الدموية) مرشحا للاستمرار فيهما الى ان ينتهي الأمر بفوز الشعب, او انتصار آلة القمع والقتل.

اما في الاردن وكذلك في المغرب, فإن فرص الاصلاح كبيرة في الانتقال بالبلدين الى الرحاب الواسعة للحكم الديمقراطي, هذا اذا نجح النظامان في اكتساب ثقة شعبيهما بالخطوات والنوايا الاصلاحية, واهم من ذلك الثقة بالاشخاص الذين سيكلفون بتحقيقها.

لقد اصبح الاصلاح المنشود كالاحلام الوردية في مخيلة شعوب عربية تسعى الى الحرية والكرامة والمشاركة في صناعة القرار بأوسع ابوابها, شعوب انتشر بينها الوعي والايمان بأن ممارسة الحرية السياسية هي تعبير عن حرية الانسان وحقوقه كمواطن, وليست منحة او منّة, او أعطية. انها احلام مقدسة تمتزج في مخيلة الجماهير بالصدق والنزاهة والاخلاص الوطني الذي يفترض ان يكون عليه حال المسؤولين في مواقع المسؤولية ونيل ثقة المواطنين بقدرتهم على السير في طريق الاصلاح.

في هذا الزمن, ثقة الشعوب بالمسؤولين هي العملة الذهب, وهي ضرورية لانها مقدمة لنجاح الاصلاح, اي اصلاح. فإذا كانت الثقة الشعبية معدومة بهؤلاء, فالاحتجاجات والمطالبات والاعتصامات لن تتوقف, حتى لو أذيع على الناس كل يوم قرار او وعد اصلاحي.

taher.odwan@alarabalyawm.net