من مفكرة صائم

من مفكرة صائم
د. طارق عبد القادر المجالي
 
من حسن الطالع  أن يتحرى الموظفون في هذا الشهر الفضيل هلالين : هلال العيد ، وهلال الراتب ، اللذين يسيران جنبا إلى جنب في هذا العام .
ولهذا السبب وعلى خلاف المعهود ، تكاد الأسواق أن تكون خالية تماما من الازدحام ، باستثناء بعض جيوب متفرقة ما زالت تتسوق بحرية هي من فئة اللاموظفين الذين لا يعنيهم  السؤال المتكرر ( يا ناس قديش اليوم في الشهر ؟ )
رمضان هذا العام أراحنا من مشاهدة التلفزيون الأردني ( على الرغم من الدعم الحكومي أخيرا ببضعة ملايين ) فهو متخلف شكلا ومضمونا ، اكتفى بتقديم جائزة سيارة يوميا مع الإفطار بمجرد أن يخمن المهاتف رقما من أرقام لوحة سيارة ، وتقديم مجموعة من الهدايا (بنقرة تلفون ) وكلما ازدادت المكالمات ازداد الربح !!!
في أي عصر تعيش أيها التلفزيون الوطني المتخلف ؟ لقد أوهمتنا بأننا نعيش في بحبوحة يحسدنا عليها العالم المتحضر ، مع علمنا بأن كثيرا من جوائزك ما هي إلا ( شحادة ) من المؤسسات المكتنزة التي خصخصت ،وبيعت بتراب الأرض .
استرحنا في هذا الشهر الفضيل من دوام طلبة الجامعات ، فهدأت مداخل الجامعات وبواباتها من كل ما يعكر الصفو ، فلا ( زعرنة ) ولا( تشحيط وتفحيط ) ولا سكارى ، ولا مشاجرات ولا درك ولا دفاع مدني ...
استراح معظم المواطنين من النهم ،والتهافت على شراء ( اللي بسوى كاللحم واللي ما بسوى كالفجل والبصل الأخضر والجرجير) بعد أن استنزفت الرواتب منذ أن أطل علينا الشهر الفضيل برأسه . فالحمد لله ،الأسواق فارغة ، والبضائع مكدسة ، والأسعار رخيصة ، والباعة نائمون .ولا من يشترون !
ومن حسنات الشهر الفضيل أنه أعطى فرصة ذهبية لمؤسسة المياه أن تلقط أنفاسها وأن تدّخر ما تبقى من مياهها في آبارها ، فتقلصت شكاوى المواطنين يأسا وصياما ليقدموا للحكومة فرصة مراجعة اختلالات التوزيع بعد رمضان .عسى أن تشرب بعض الأنابيب في المدن والقرى ، وتبل ظمأها وتبل عروقها بعد أن صامت رمضان كاملا !
جاء رمضان هذا العام بعد أن جهزت مساجد القرى ، قبل مساجد المدن، مكبرات أصواتها وسماعاتها الجديدة ،وبتبرعات سخية ،وصدقات من المواطنين ، ليس لرفع الأذان وحسب ، بل لإذاعة دروس شيوخ المساجد ظهرا وعصرا ،وقراءة القرآن مع كل صلاة ، وبث صلاة التراويح حيا وعلى الهواء ، فتجد في القرية الواحدة عددا من المساجد بعدد العشائر الموجودة فيها ، كل  يتبارى في رفع درجات المكبرات والإزعاج غير المبرر، فتختلط الأصوات الندية بغيرها ،ويخيم على هدأة الليل والأجواء الرمضانية غيوما من النشاز واللجلجة والأصوات المتداخلة .
 أما ساعات قبيل صلاة الفجر فالأكثر معاناة ،حين تتسابق عشرات المساجد بالأذان غير الموحد ،وعلى فترات متقطعة فما ننتهي من مؤذن إلا ونحن مع آخر الذي قد يكون طفلا متطوعا ،ونستمر على هذا الوضع حتى أذان الفجر، بين أمزجة المؤذنين المتطوعين ، وأطفالنا مرعوشون خائفون من أنهم يأكلون مع أذان الفجر ،كل هذا  في وقت صارت معرفة أوقات الأذان عملية ميسرة سهلة للجميع.
هنيئا لكم الصيام والقيام وقراءة القرآن ، آملين التخفيف على الصائمين قدر المستطاع ، فهم أحوج إلى السكينة والطمأنينة والهدوء ، في هذا الشهر الفضيل ، على الرغم من ضيق ذات اليد ،وهم يستقبلون معه موسم ( الجلطات : افتتاح المدارس ، ورسوم الجامعات ، وملابس عيد الفطر السعيد !!!   
Tarq_majali@yahoo.com