الحكومة والأيام المائة المهدورة



لم يكن متوقعا أن يكون رضا الناس عن الحكومة بعد مائة يوم على تشكيلها أفضل مما ظهر في استطلاع الرأي، بل وقد يكون منطقيا في التحليل والتقدير أن مستوى الرضا أقل بكثير مما ظهر في الاستطلاع، لأن عمليات استطلاع الرأي لم تأخذ بعد حالة من الرسوخ وثقة المواطنين بقدرتهم على التعبير عن موقفهم بحرية، وما يزال الناس حتى في الدول المتقدمة والحرة يميلون إلى الإجابة بما يتوقع منهم أكثر مما يقولون رأيهم بعفوية وكما هو بالفعل. ولأن المواطنين ببساطة كانوا ينتظرون من الحكومة إنجازات ملموسة تحسن حياتهم، وأفكارا واقعية تلامس رؤيتهم لما يحبون أن يكونوا عليه.
مشكلة الحكومة أنها تريد أن تواجه التحديات بحزمة من الإعلانات. الرئيس وفريقه الحكومي يعتقدون أن النجاح هو أن يصدق الناس أن الحكومة ناجحة، وأسوأ من ذلك يعتقدون أن الناس يمكن أن يثقوا بالحكومة ويصدقوا نجاحها إذا نظمت مجموعة من الحملات التسويقية الضعيفة. هكذا أمضت الحكومة مائة يوم في عمليات إعلامية ضحلة لا تختلف عما يعمله مكتب إعلاني متواضع، والمشكلة الثالثة للحكومة أنها تعرضت في تسويق نفسها وأشخاصها لعمليات استدراج ونصب واحتيال. الرئيس والفريق والمؤيديون والأصدقاء والأتباع والمنتفعون حولهم أوهموا أنفسهم بأنهم قادرون على اكتساب ثقة الناس بالعروض الإعلامية دون أن يفعلوا شيئا في إدارة الموارد والإنفاق العام.
وظيفة الحكومة أولا وقبل كل شيء أن تجمع الموارد بكفاءة وعدالة وأن تنفقها وتوزعها بعدالة وكفاءة، وفي ذلك فإن تغريدات الرئيس والوزراء والكتاب المؤيدين والموظفين والمنتفعين والأصدقاء يجب أن تجيب على سؤال عملي ينتظره المواطنون، ماذا لدينا من موارد وكيف وزعت؟ ماذا جمعت الحكومة من الخصخصة والامتيازات والاستثمارات وضريبة المبيعات والمحروقات والدخل والرسوم والجمارك، وكيف توزع هذه الموارد؟
المواطنون وإن أعجبوا بدماثة الرئيس وتواصله يتساءلون بعد الابتسامة (أطول ابتسامة جميلة لا تزيد على 6 ثواني) يفكرون في مستوى معيشتهم، وكيف يدبرون ويزيدون دخلهم ولا ينزلقون إلى الفقر بسبب الإنفاق على التعليم والصحة والتكافل الاجتماعي، فالأسرة التي لديها أطفال يذهبون إلى مدرسة خاصة أو مريض مرضا مزمنا او معوق أو شخص كبير في السن يحتاج إلى رعاية متواصلة مهددة بضياع كل مدخراتها وممتلكاتها.
ما ينتطره المواطنون ببساطة ووضوح من الحكومة أن تجيب كيف يمكن تدبير وتطوير الأولويات والخدمات والاحتياجات الأساسية، حتى لو كان ذلك يفوق الموارد المتاحة ويحتاج إلى وقت طويل، فالمهم أن نكون نسير في الاتجاه الصحيح نحو أهدافنا الحقيقية والواقعية، .. وبعد ذلك يمكن في أوقات الفراغ والأمسيات أن يتعشى الرئيس والوزراء والكتاب والأصدقاء والحاشية والمغردون والناشطون خبيزة بالمايونيز ويتصوروا سيلفي!