مشروع القانون المعدل للجرائم الالكترونية ما بين حماية حرية الأفراد وتقييد حرية التعبير



مهدي مبارك عبد الله

بداية هي مصادفة مؤلمة وغير محببة التقاء مشروعي قانون المعدل لضريبة الدخل ومشروع القانون المعدل للجرائم الإلكترونية على طاولة جدول أعمال مجلس النواب للدورة العادية المقبلة حيث تكرس في وجداننا الشعبي وقناعاتنا بالتجربة والممارسة إن قانون ضريبة الدخل سيجردنا أموالنا دون وجه حق وقانون الجرائم الإلكترونية لن يسمح لنا بفتح أفواهنا للرفض والتعبير احتجاجا أو غضبا بتوسيع قاعدة التجريم و ورفع وتغليظ مستوى العقوبة

وبعدما شاعت ظاهرة العولمة واستخدام الشبكة العالمية للمعلومات الإنترنت وما تبع ذلك من انتشار منصات وشبكات التواصل الاجتماعي على نطاق واسع من قبل معظم شرائح المجتمع أصدرت العديد من الدول في العالمين المتقدم والنامي قوانين خاصة تعنى بالجرائم الإلكترونية حيث أقر الأردن قانون الجرائم الإلكترونية في عام 2015 الذي حل محل قانون جرائم أنظمة المعلومات المؤقت لعام 2010 وحسب ما ادعت الحكومة في حينه بهدف مواكبة روح العصر وثورة التكنولوجيا الهائلة التي غزت المجتمع حيث أصبح التنظيم القانوني لها أمرا ضروريا للتصدي لظاهرة الاستخدام غير المشروع للتكنولوجيا في الفضاء وكي نوضح الصورة أمام من يجهل طبيعة الجرائم الالكترونية

فقد عرفت الجريمة الإلكترونية على إنها الجريمة ذات الطابع المادي التي تتمثل في كل سلوك غير قانوني مرتبط بأي شكل بالأجهزة الإلكترونية يتسبب في حصول المجرم على فوائد مع تحميل الضحية خسارة ودائماْ يكون هدف هذه الجرائم هو السرقة والقرصنة والابتزاز والاختراق وانتهاك خصوصيات وحقوق الإفراد والتعدي على الأمن المعلوماتي للدولة فضلا عن التخريب وبث الفتن والكراهية فى المجتمع وغيرها من الجرائم الأخرى وما تسببه من إيذاء نفسي كبير على الأشخاص والمجتمع وذلك لسرعة انتشار المعلومة على هذه الوسائل وتعلل الحكومة أن تعديل قانون الجرائم الالكترونية المنظور جاء في ضوء التطور السريع لانتشار وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصال وبروز أنماط جديدة من الجرائم لا بد من مراجعتها وتعديلها

وقد تزايد وبشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة تفشي ظاهرة الإساءة للحرية ونشر الأخبار الكاذبة والشائعات لدى العض والتي أصبحت تطال كل شيء ولم يعد هناك الكثير من الخطوط الحمراء التي ظلت لعقود طويلة لا يقترب منها أحد بالنقد والتجريح وأصبح من السهل متابعة الحض على العنف والتحريض على الكراهية في وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الالكترونية وكثيرة هي الأمثلة على التلفيق والافتراء والشتائم والكلام المعيب بحق الكثير من الشخصيات العامة مما اضطر جلالة الملك عبد الله الثاني في أكثر من اجتماع مع الإعلاميين إلى التنبيه لمخاطر اغتيال الشخصية بدون أدلة وبراهين وتأمل الحكومة أن يساهم القانون المعدل في وضع حد للانفلات الأخلاقي والبصري والسمعي في الشارع الإلكتروني وردع المتسببين بالفتنة والطائفية والعنصرية والتشهير بالناس وخاصة الموظفين العموميين وصمهم بعضهم باتهامات كاذبة بالفساد وإغلاق الأبواب أمام أي شخص أو مجموعة يستغلون القرصنة الإلكترونية لمصالحهم الخاصة فحينما تصبح ( الحرية ضارة يجب اللجوء إلى القانون ) كما قال الفيلسوف وعالم المنطق البريطاني بيرتراند راسل ومن غير الممكن بقاء الانتهاكات والتجاوزات عبر مواقع التواصل دون رقابة أو محاسبة ومن غير المنصف إنكار وجود فوضى تسود الفضاء الالكتروني وقيام البعض بافتعال الأزمات وفبركة القصص والصور واليوتيوبات

ولكن السؤال الملح الذي تتجاهله الحكومة هل تعديل القوانين وتغليظ العقوبات ينهي أو يحد من هذه الجرائم أو يحسن الحالة المهنية أو يشذب السلوكيات والأخلاقيات في منظومة القيم التي هي أصلا تحتاج إلى تعديل وتغيير فحين يمارس الناس احترام الرأي الآخر والقبول بالاختلاف ومعرفة مفهوم الحرية المسؤولة والاعتراف بأن القيم والأخلاق مبادئ إنسانية شمولية عابرة للأديان والحدود نكون قد قطعنا نصف الطريق نحو الحل وأننا أحوج اليوم إلى مراصد مجتمعية تدين الأخبار الكاذبة والإساءات وخطاب الكراهية وتفضح من يرتكبها ويروجها وان نعمل معا لترويج مفاهيم الثقافة الالكترونية والتربية التكنولوجية لنجعل من مواقع التواصل الاجتماعي مكان امن ونبيل نستفيد منه في تواصلنا وليس مسرح للجرائم الالكترونية المتنوعة وربما علينا الاستدراك عاجلا لنعيد الاعتبار لتدريس مساقات الأخلاق والقيم بدءا من رياض الأطفال بالمدارس قبل إن يصبح مزيد من شبابنا قنابل موقوتة ومتفجرة يختطفهم الإرهابيون ويوظفونهم لمعاداة الوطن والأمة والإنسانية

لقد لاقى القانون منذ العمل به اعتراض وتأييد وانتقاد وانقسام حاد وجدل واسع في وجهات النظر بين مختلف فئات المجتمع حيث رأت الأوساط الإعلامية فيه بعدما أصبحوا مهددين بالملاحقة القانونية بالحبس والغرامة وهم بالأساس يقفون ضد أي قوانين أو تعديلات تمس وتنتهك الحريات العامة وتقييد حرية الرأي والتعبير التي كفلها الدستور وقد شبهوا مشروع القانون بالسيف المسلط على رقاب المنتقدين يعيق الحركة ويقيد عمل الصحفيين ويحجر على الفكر والعقل بما ورد فيه من بعض الفقرات وخاصة المادة 11 والتي طالبوا رئيس الوزراء ووزير العدل بشطيها كونها معطلة لمسيرتهم وتخالف مواد أخرى من الدستور وأكدوا أنهم يناصرون دائما الصحافة الوطنية النظيفة التي تطالب بالسقف العالي للحرية المنضبطة والتعبير العقلاني وممارسة النقد السياسي التصحيحي ونقد أداء أعضاء مجالس الأمة وإعمال الوزراء والمسؤولين بشكل مشروع ومباح وبموضوعية وكفاءة وبمهنية عالية ودون اغتيال الشخصية وتناول الخصوصيات والاتهام والتجريح والذم والقدح والشتم والتشهير والتهديد والانتقام

وهناك تباين وإشكاليات كبيرة حول المصطلحات والنصوص الفضفاضة التي يستعملها القانون والتي تحمل العديد من أوجه التفسيرات بالإضافة إلى التعريف غير المنضبط لخطاب الكراهية والذي يعطي الحق في التوسع بملاحقة من يستخدمون حقهم بإبداء آرائهم تحت حجة أنها تحض على الكراهية وان تعريف الأفعال المجرمة غير منضبط أيضا فماذا تعني إثارة الفتنة والنعرات أو الأمن الوطني أو الإساءة للاقتصاد الوطني وقد طالب البعض الى وقف العمل بالقانون لأننا لا نحتاج إليه حيث ان كل الجرائم المتعلقة بالنشر والابتزاز وانتهال الخصوصية ونشر الكراهية والمقامرة والاغتيال الجنسي للمرأة مغطاة بموجب قانون العقوبات المعمول به أو في فوانين أخرى مختصة بغض النظر عن الوسيلة المستخدمة في النشر

إذنا ما هي الحاجة لتعديل القانون وإضافة نصوص تجريمية جديدة إليه وإذا كان لابد من التعديل بشكل عملي ومهني علينا القيام بدراسة شاملة ومعمقة على جميع المستويات القانونية والفنية والشعبية للخروج بقانون عصري يحمي الحريات وينظم العلاقات داخل المجتمع بشكل أكبر وأفضل ويجد بعض النشطاء والحقوقيون وعديد من البارزين في استخدام السوشيل ميديا أن هذه التعديلات المتكررة تستهدف خنق وضرب حرية التعبير والإعلام وتكميم أصوات الناس والتعسف في استخدام السلطة دون وجود أي توازن بين حماية حقوق وحريات الأفراد بسمعتهم وكرامتهم وشرفهم والحفاظ على حرية الرأي والتعبير وقد صرح مؤخرا وبجراءة لافته بعض أعضاء السلطة التشريعية ان إقرار هذا القانون جاء من أجل حماية بعض الرؤوس المتورطة بقضايا فساد وان تعسف القانون يعيد الأمور في البلاد الى مرحلة فرض الأحكام العرفية وطالبوا بسحبه لأنه يشكل انقلاب على الديمقراطية وليس من حق أحد أن يمنع النقد البناء والهادف وطالب البعض منهم الحكومة الاستعداد لبناء سجون إضافية لاستيعاب عدد الموقوفين جراء هذا القانون الظالم

في حين استقبل بعض النواب مشروع القانون المعدل لقانون الجرائم الإلكترونية بكل ترحيب وطالبوا إعطاءه صفة الاستعجال وتحويله للجنة القانونية وإقراره لما لهو من دور مهم وفعال في وقف الذباب الالكتروني وكثير من الإساءات المتعمدة التي يتعرض لها بعض المسؤولين والناس ومع كل ذلك لا بد بعد إقرار القانون وهو تحصيل حاصل من القيام بحملة توعية إعلامية وقانونية منظمة وشاملة لكي يعرف المواطنين الأفعال التي يرتكبونها وتعرضهم للملاحقة القانونية وما هي العقوبات المفروضة عليهم حتى لا يتسبب القانون بدخول الكثير من الناس إلى السجون وهم في غفلة من أمرهم لان القانون في باطنه ما وراء الأكمه بما يثير الخوف الشديد

وفي الختام أننا مع عدم إعطاء مشروع القانون صفة الاستعجال بل نطالب بالتريث والتأني والانتظار لدراسته وتمحيصه بشكل واف من كافة جوانبه الايجابية وأثاره السلبية مع ضرورة الاستعانة بخبراء وباحثين قانونيين وإعلاميين وأصحاب رأي ومراكز دراسات متخصصة وإجراء حوار وطني هادف مع جميع الأطراف والمشارب المهنية والفكرية المختلفة للوصول إلى قانون وطني معقول وعملي ومقبول ويخدم المصلحة العامة حتى لا نقع مرة أخرى في حفرة المعدل لمشروع قانون ضريبة الدخل وما تركه في نفوس المواطنين من ردة مفجعة وتفسح وانقسام في النسيج واللحمة الوطنية وبما يؤثر على حياتنا وأمننا واستقرارنا في الحاضر والمستقبل

mahdimubarak@gmail.com