لن يصلح "الرزاز" ما أفسده الدهر


لن أكتب مقدمة هذه المرة بل سأختصر وسأقتبس مما كتب في المنهاج الجديد، جملة حازت إعجابي ‏وسيفهم منها اللبيب جوهر مقالي؛ "ومن أبرز صفات المواطن الصالح أن يدفع الضرائب والفرائض المالية جميعها ‏عن طيب خاطر".

سيدي الرئيس، أنا على أتمّ الاستعداد لأكون تلك المواطنة الصالحة التي ذكرتموها في مناهجكم والتي ستدفع عن طيب ‏خاطر ما عليها، وعلى الرغم من أن الضريبة أساسها ليس إيرادات خزينة الدولة بل هي مساهمات بدل خدمات ‏تنفقها الدولة لخدمة المجتمع كالصحة والتعليم والمواصلات والبنية التحتية وغيرها.

غير أنني مقتنعة على عكس البعض بأن ‏الضريبة هي أحد موارد الدولة، في ظل عجز إنتاجي لدولة بحجم بعض الورد، والأصل ألا نعترض عليها بشرط ‏أن تكون منصفة. لن أهاجمك، ولن أطالب بوجوب محاكمة كل رئيس وزراء سبقك بجرم التقصير والتسيّب والتخاذل والإهدار والإهمال‏، ولن أعلق على كلام أحد وزرائك الأفاضل بأنهم وزراء وليسوا بتجار؛ رغم أنه محقّ، فلو كانوا يعلمون ‏أبجديات التجارة والصناعة لتمكّنوا من صناعة وطن لا مثيل له.‏
إن من قال لك إن لدينا مشكلة مع قانون الضريبة، قد زوّر الحقائق؛ فمشكلتنا تكمن بقلة السجون، نعم قلة ‏السجون، إذ إننا نعتقد بأنها لن تكفي شعباً بأكمله بسبب الديون والقروض التي ستترتب علينا بعد إقرار القانون ‏المعدل، فماذا عساك فاعلٌ بنا؟ فضلاً عن تجريم الأشخاص الذي ينصّ عليه القانون ذاته، إذ أعطى المقدّر ‏الضريبي صلاحيات متناهية، فببساطة يستطيع تجريم أي منا لدوافع خفية أو واضحة وضوح الشمس في رابعة ‏النهار في حال لم نستجب لطلباته، وزجنا في السجن الذي أعلم يقيناً أنه لن يتسع لنا.

اعذر جهلي بالقانون يا سيدي، ‏ولكن ما هي الضوابط التي ستضمن لنا ألا نظلم، ماذا لو أخطأ مدقّق حساباتي، فهو بشر يخطئ ويصيب.‏

لا أعتقد أنك تستطيع إنكار أن هناك ضعفاً في المنظومة الحكومية ككل. فكيف لحكومة غير قادرة على جلب من ‏سرق ونهب مقدرات الوطن أن تحمي ما سندفعه لضريبة الدخل!

فالسرقة، الفساد، المحسوبيات والمناصب ‏تعتبر جوائز ترضية للمتنفعين على حسابنا "والحسابة بتحسب" من جيوبنا؛ أكاد أجزم بأن السبب وراء حب ‏الحكومات المتعاقبة لتعويض هذه السرقات من جيب المواطن بات بسبب أن المسألة هي مسألة ذوق عام لا أكثر ‏ولا أقل، فهناك العديد من الحلول المطروحة، كفكرة الفوترة التي بتنا نسمع عنها مؤخراً، لكن ذوق حكوماتنا ‏يأبى أن يتغيّر، فهو ثابت صارم وحازم ضد جميع المتغيرات.‏

وفي ما يتعلّق بفرض الضريبة على الدخل الإجمالي وتقدير الإعفاءات للعائلات والأفراد، فمن يقول إنه يتم بشكل ‏عشوائي، معتمداً على أنها كانت 24 ثم هبطت لـ 12، وبعد ذلك عادت وارتفعت لـ 18، كلّي ثقة بأنه لم يزر "‏الحسبة" في يومٍ من الأيام. إن من العجائب التي حيّرت العالم، وأنا شبه متأكدة أنها قد حيّرت خبراءكم الأفاضل؛ أن ‏لكل أسرة أردنية خصوصيتها، ولا بد أنهم موقنون بأنه لا يجوز بأي حال من الأحوال فرض ضريبة على ‏الأسرة من دون حساب نفقاتها والتزاماتها؛ كدراسة وضعها، سواء الصحي أو عدد أو حتى أعمار أفرادها وما ‏يترتب عليها من مصاريف لجامعات أو قروض لامتلاك سيارات أو منازل أو حتى إيجارات، ولكن ذلك النابغة ‏الذي اقترح ثباتها لتكون منصفة وعادلة وجد أن هذا الاقتراح الفذّ هو شر لا بد منه.

بالنسبة إلى كلام خبرائك بأن القانون لن يمسّ 90% من المجتمع، فأجد أنهم محقون 100%؛ فالقانون لن يمسّنا بل ‏سيسحقنا، وبالطبع فإن هذا آخر همهم، فقد بات من المعروف لدى حضرتنا، بعد تصريحات حكومتكم الموقّرة ‏واستعانتها بأرقام أُعدت قبل 10 سنوات حول دراسة خط "الجوع"، بأنها لا تمتلك أدنى فكرة عمّا يدور في الشارع ‏الأردني، وبالتالي فهي لا تمتلك أدوات تحديد الأسعار وغير قادرة على ضبطها؛ ولكي لا أحمل وزرها أجد أنه ‏يتحتّم عليّ كمواطنة صالحة تنوي الدفع عن طيب خاطر أن أشير إليها؛ إن الجميع سيتأثر بقانون الضريبة وإن أي ‏ارتفاع بالضريبة سيُجبر المستثمر ومقدم الخدمة على أن يقوم هو الآخر برفع أسعاره، وبالتالي سنغطي فروق ‏ضرائب الشركات الخدماتية الكبرى أو أي سلعة؛ ما سيخضع المواطنين كافة للضريبة بشكل غير مباشر.‏

وفي ما يخص الـ 1% تكافل اجتماعي فأجدني هنا يا سيدي عاجزة عن شكر حكومتكم على كرمكم الحاتمي، فقد ‏أخجلتمونا وغمرتمونا به؛ علماً بأن ما دفعناه لكم وما ندفعه وما سندفعه يوجب عليكم خدمتنا، ولكن لا يحقّ ‏لمواطنة صالحة أن تعترض، لذلك سأكتفي بأن أهمس في أذنك يا سيدي، بأنه لا يحق لكم أن تفرضوا علينا ‏ضرائب وسجل نجاحاتكم لغاية الآن هو صفر ولا يحق لكم أن تطالبونا بواجباتنا من دون أن توفّروا لنا حقوقنا.‏

وفي الختام فإنني "أُعيذك يا وطني الغالي من أحزان تكالبت عليك وأعيذ ترابك وسماك وعيون شعبك من كل هم ‏وفاجعة"‏.
تمارا سمير البغدادي
‏
‪twitter @tamaralbaghdadi‬
‏instagram @tamara.albaghdadi
‏tamaraalbaghdadi@outlook.com