انجاز متقدم ومهم للدبلوماسية الفلسطينية


مهدي مبارك عبد الله

بعدما فرح الإسرائيليون شهور قليلة بنشوة الظلم واحتج الفلسطينيون أيام طويلة بغضب وقهر على قرار الرئيس الأعجوبة ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشريف هاهي رحى الأيام تدور الى الخلف لتطحن جنون النتن ياهو وتجعله يتصرف كالثور الهائج يحطم الفخار ويكسر الحواجز جراء الصفعة القاسية التي لطمت وجهه بعدما أعلنت وزارة الشؤون الخارجية في الباراغواي قرارها الجرئ والذي جاء بعد مراجعة حقيقية وصادقة كشفت طريق الصواب السياسي والدبلوماسي وعلى إثر قدوم الرئيس الجديد ماريو بنيتيز اللبناني الأصل وتسلمه زمام السلطة قررت إعادة سفارتها إلى تل أبيب وأرجعت السبب إلى إن القدس تعد عاملا معقدا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وبرغبة باراغواي في تكثيف الجهود الدبلوماسية الإقليمية الرامية إلى تحقيق سلام واسع وعادل ومستدام في الشرق الأوسط وان قرار الرئيس السابق هوراسيو كارتيس والذي سافر بنفسة الى إسرائيل للمشاركة في افتتاح سقارة بلاده في القدس لم يكن موفقا ولا مدروسا وغير قانوني ولا يصب في مصلحة البلاد وعلاقاتها الدولية ولم يراعي الأخذ بعين الاعتبار اعتراضات الشعب البراغواي وكثير من النخب السياسية والمسولين على هذا القرار في حينه الذين رأوا في نقل سفارتهم الى القدس عدوان صارخ على الشعب الفلسطيني وحقوقه وانتهاك للقرارات الأممية والقانون الدولي وان السلطة الفلسطينية سوف تتخذ كافة الإجراءات السياسية والدبلوماسية والقانونية الكفيلة بملاحقة بلادهم على هذا الإجراء غير المبرر
مما شكل قناعة راسخة لدى الرئيس الجديد بضرورة عودة الباراغواي إلى حضن الشرعية الدولية والتزامها بقراراتها وقوانينها وتحررها من الابتزاز الإسرائيلي الأمريكي واستشعارها لتداعيات قرارها الخطير بنقل سفارتها إلى القدس وتأثيره على أمن وسلامة المنطقة خصوصا والعالم بشكل عام وأن هذا القرار الشجاع في هذا التوقيت المهم يبعث رسالة قوية الى كل من يهمه الأمر مفادها أن العالم لن يمنح إسرائيل الموفقة او الضوء الأخضر للقضاء على الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية

الدكتور رياض المالكي وزير الخارجية الفلسطينية رجل هادئ ومتزن ونشيط بذل جهد كبير وهو عراب الصفقة خلال زيارته للبراغواي للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الجديد حيث طلب منه إعادة سفارة بلاده في إسرائيل من القدس إلى تل أبيب وقد اعتبرت هذه الخطوة بمثابة اختراق منظم وانجاز متقدم ومهم للدبلوماسية الفلسطينية التي تعاني من الحصار ومحاولات الاستبعاد من قبل الحلف الأمريكي الإسرائيلي في في كافة المحافل الدولية واﻻقليمية وقد اتفق وزيري خارجية البلدين على أن يتم ذلك بهدوء وأن يصدر القرار عن خارجية باراغواي في أوائل شهر سبتمبر الحالي مع غض الطرف عن لجوء السلطة الفلسطينية إلى محكمة العدل الدولية كما هو الحال مع الإدارة الأمريكية وحكومة غواتيمالا

القرار نزل على تل أبيب بقوة قاسمة ومباغتة رهيبة فهو شكل اختراق دبلوماسي فلسطيني جديد أذهل عصابة اليمين الإسرائيلي المتطرف مما دفع رئيس وزراءه بنيامين نتنياهو الى إصدار قرار عاجل بإغلاق سفارة إسرائيل في باراغواي بعد ساعات من إعلان الحكومة الجديدة هنالك أنها ستعيد سفارتها من القدس إلى تل أبيب

ومن الواضح ان القرار وجه صفعة ثلاثية الإبعاد لكل من نتنياهو وترامب و لمساعي إسرائيل لنيل اعتراف عالمي بالقدس عاصمة لها وهو أمر اكتسب قدرا من الزخم والتغطية الإعلامية الوافرة هذا العام بفتح الولايات المتحدة وجواتيمالا وباراجواي سفارات في الوقت الذي لا تعترف معظم دول العالم بالسيادة الإسرائيلية على المدينة بالكامل وتؤكد إن وضعها النهائي يجب أن يتحدد خلال محادثات سلام مشتركة بين جميع الإطراف وان وضع القدس يعتبر واحد من أكبر العقبات أمام التوصل لاتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين سيما وأن إسرائيل تعتبر المدينة بالكامل بما في ذلك شطرها الشرقي الذي ضمته عقب حرب 1967عاصمة أبدية لها

لا تزال تل ابيب تعيش واقع الصدمة الصاعقة التي ألمت بها بقوة خاصة وان رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو لا زال يسعى إلى إقناع دول أخرى للحذو بنفس الطريق مما جعله ينتفض بغطرسة وعنجهية بردة فعل عاجلة بإغلاق سفارة بلاده في الباراغواي واستدعاء السفير للتشاور نحو خطوات تصعيديه اكبر وعلى النتن ياهو أن يدرك بأنه في المستقبل القريب سيغلق معظم سفاراته في العالم لأنه لم يعد ينطلي على العالم الكذب والخداع والمراوغة الإسرائيلية بعدما أيقن العالم بأن هذه الدولة العنصرية المجرمة يجب أﻻ يتم التعامل معها بل يجب جرها إلى قفص اﻻتهام لمحاكمة قادتها على جرائمهم التي يندى لها جبين الإنسانية في المقابل قرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس استثمار هذا الانتصار الفلسطيني المتميز بافتتاح سفارة فلسطينية في اسونسيون عاصمة باراغواي كرد جميل وتقديرًا لهذه الخطوة الشجاعة والتي ينبغي ان تشكل نموذجا يحتذى لكل الدول في مواجهة الأطماع الإسرائيلية ومحاولات الإدارة الأميركية أن تفرضها على العالم عندما نقلت سفارتها إلى القدس ضمن ما يسمى بصفقة القرن


وينظر كثير من المحللين والمراقبين الى هذا القرار على انه جاء إنصافا للحق الفلسطيني وتأكيدا على أن دول العالم الحر لن تخضع لمحاﻻت اﻻبتزاز والمساومة اﻻمريكية ولن تقبل هذه الدول إﻻ اﻻنتصار للقانون الدولي والشرعية الدولية والحفاظ على اﻻاتفاقيات الدولية واﻻستقرار والسلم العالمي حين اعتقدت الإدارة الأمريكية بأنها ستقود العالم للسير خلفها ووفق رؤيتها وما عليهم سوى السمع والطاعة ولكن الرد في هذه المرة جاء بعكس ما تشتهي إدارة ترامب وحكومة نتنياهو الظالمتين اللتان لا تلتزمان بالقوانين الدولية التي تقر وتعترف بأن القدس العربية جزء من الأرض الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل إثر عدوان عام 1967 وأنها عاصمة دولة فلسطين التي تعترف بها أكثر من 138 دولة في العالم

وإننا نأمل اليوم بأن يدفع هذا القرار العقلاني والحكيم كل من الولايات المتحدة وجواتيمالا لامتلاك ذات الشجاعة والجرأة للالتزام بالقانون الدولي ومتطلبات السلام والعودة عن خطواتها الخطيرة في نقل سفارتيهما إلى القدس والعمل بشكل جدي وفاعل على محاسبة إسرائيل ووضع حد لتنمرها وإفلاتها من العقاب وتدميرها المتعمد لحل الدولتين وفرص السلام المتعاقبة

يشار الى ان الباراغواي افتتحت سفارتها في القدس يوم 21 أيار الماضي لتصبح الدولة الثالثة التي اتخذت هذه الخطوة بعد الولايات المتحدة وغواتيمالا

وفي الختام لا يسعنا الا ان نتقدم بخالص الشكر والامنتان وعظيم التقدير والعرفان الى سيادة الرئيس ماريو عبدو بينيتز ولحكومتة وشعب البراغواي العظيم والشكرا الموصول للدبلوماسية الفلسطينية بقيادة ربانها الدكتور رياض المالكي والعربية ولكل دول العالم الحر التي تؤمن بحق الشعب الفلسطيني وبعدالة قضيته وحتمية انتصاره ووصوله لنيل حقوقه المشروعة أما الصهاينة فسوف يرحلون عن فلسطين طال الزمن أو قصر وسيرجع الحق إلى أهله معمدا بالدم والتضحيات لتعيش الأجيال القادمة بأمن وسلام

mahdimubarak@gmail.com