ترامب... وحيدا على السطح -

اخبار البلد 

 
وقف دونالد ترامب على المنصة في الأمم المتحدة، وفي خطاب مكتوب جيدا، وبلا أي خروج عن النص تقريبا، أزاح من على رأسه تاج زعيم العالم الحر الذي كان محفوظا دوما للرؤساء الأمريكيين قبله. لقد كان هذا التاج في وضع مهزوز من اليوم الذي انتخب فيه، ولكنه عرض أمس بشكل متواصل ومرتب عقيدته التي تقوم أولاوقبل كل شيء على الفرضية الأساس بأن «أمريكا أولا».

لا كما خطاباته السابقة، التي كانت جملة من الصرخات والعبارات المجزوءة التي لا ترتبط بقول أو بفكر، فقد وضع الأمور أمس على الطاولة بهدوء نسبي، وبشكل كدي كي لا يكون بعد اليوم شك لدى أحد في أنه ضد العولمة، ضد المساعدات الأجنبية ـ إلا إذا تلقت أمريكا مقابلاً لها. وهو مع الوطنية العميقة ومع الحماية المطلقة للسيادة الأمريكية.

أكثر ما تحدث ترامب إلى مشاركي الجمعية، اسمع صوته لناخبيه: في ضواحي بنسلفانيا وفي قرى اوهايو سيهتفون لسماع خطاب ملتهب، يركل فيه رئيسهم بساقيه الخلفيتين العالم ويعطيهم ما أرادوه دومًا ـ أمريكا منعزلة، محوطة بالمياه ومنغلقة، ومن ناحيتهم فليحترق العالم.

لقد كانت الفكرة الأمريكية القديمة مبنية على أن الولايات المتحدة لا تساعد العالم انطلاقًا من سخاء دولة غنية فحسب، بل انطلاقًا من الرغبة في تحقيق قيم منشودة للحرية والديمقراطية، وانطلاقًا من الفهم بأن مثل هذه المساعدة يمكنها أن ترفع مكانة الوطنيين المكافحين في البلدان الأخرى أيضًا، وتقربهم من الولايات المتحدة بشعور من الامتنان واعتراف بمكانتها كرائدة عالمية. لقد أيدت أمريكا العولمة لأن هذا كان هو الحد أو ذاك هو الحل، وإن لم يكن الحل الكامل، لمساعدة الفقراء، المهمشين، أولئك الذين لم تؤخذ منهم الفرصة بل لم تعطَ لهم أبدًا. أما أمس ومن على منصة الأمم المتحدة لم يرفع الرئيس أمريكا بل رفع الترامبية: في خطاب بدا وكأنه كتب من أفضل الدعائيين اليمينيين، عرض بفخار أمريكا الجديدة، وباستفزاز. أمريكا التي لن تمد يدًا للمصالحة، إنما توجه للعالم قبضة مشدودة.

لحظة حرجة سجلت في بداية الخطاب عندما أظهر العالم لترامب ما الذي يفكر به عنه: الرئيس الأمريكي تباهى بأنه في أقل من سنتين أنهى مهام أكثر مما أنهى كل رئيس آخر قبله. ومع أن الضحك كان مكبوتًا ولكن ترامب سمع. غير أن هذا من ناحيته لا يغير شيئًا: فقد خلق لنفسه فقاعة منعزلة عن الواقع ويؤمن بأن ما يفكر به عن نفسسه وإنجازاته هو الواقع، فلا يهمه العالم. وهو يستهدف انتخابات منتصف الولاية في تشرين الثاني، ويعرف بأنها ستكون مثابة استفتاء على شكل أدائه. لقد استهدف هذا الخطاب إيقاظ ناخبيه وتذكيرهم بما يحبون.. بأنه يمكنه أن يهدد إيران بمزيد من العقوبات، وأنه يعرف كيف يروي أن روحاني طلب لقاءه ورفض، رغم أن روحاني قال أمس إن ترامب بالذات هو الذي طلب لقاءه ثماني مرات. ولكن ماذا يهم الحقيقة حين يكون كل شيء ملفقًا، وناخبوه يقولون في الاستطلاعات إنهم لا يتأثرون على الإطلاق من أن الرئيس يكذب.

لأول مرة عرض ترامب خطًا سياسيًا مرتبًا يبعد أمريكا عن العالم. في إسرائيل لم يكن من سر حين نقل السفارة إلى القدس وانسحب من الاتفاق النووي، ولكن عندما تنسحب أمريكا من قيادة العالم، فإن هذا هو الأمر الأكثر فظاعة، الذي يمكن أن يحصل لإسرائيل. هذا يعني أن أمريكا ضعيفة في أسرة الشعوب، وأن واحدًا آخر سيأخذ الدفة ويبقي ترامب في منصب الشرطي الأمريكي الغاضب.

أورلي ازولاي

يديعوت 26/9/2018