ترمب في «تهريجِه».. أو الرئيس الأميركي الغارِق في «انعزالِيّتِه»

كان يكفي سماع الرئيس الاميركي،الذي يتقمّص الطاووس في مِشيته وحركاته وخصوصا عند مصافحته الآخرين، قادة ومرؤوسين ودائما طريقته في التربيت على اكتافهم،في الوقت ذاته الذي لا يُعير احداً منهم التفاتَة ويمضي في طريقه دون مراعاة لياقات أو بروتوكول. نقول:كان يكفي ان تضجّ قاعة الجمعية العامة للامم المتحدة بالضحك الصاخب،على العبارة غير المتماسِكة وغير الصحيحة والمبالّغ فيها جدا، التي قال فيها ترمب:»انه في اقل من سنتين،حقّق ما عجز عنه أي رئيس اميركي سابق في تاريخ اميركا..» «تقريباً»،هكذا اردف،ليكتشف ان الحضور لم يأخذوا هذا التبجّح على محمل الجد،نظرا لِسجل الرئيس الاميركي غريب الاطوار في هاتين السنتين،وحروبه المفتوحة على العالم أجمع،ليقول لهم في النهاية وبدهشة الساذج أن ما قاله»صحيح جدا»(هكذا زَعَم) وانه لم يكن يتوقّع ردة الفعل هذه من مستمعيه .ولكن – اضاف في استسلام –: لا بأس ولئن حفل خطاب رئيس اقوى دولة عدوانِية في العالم،بكثير من الإزدراء والاستهتار بمصالح الآخرين،والتلوي ح الدائم باستخدام القوة والعقوبات واحتقار المنظمات الدولية التي يُشكّل»انجازا» حقيقيا في عالم متوحش كعالمنا،اذا ما استطاعت القيام بواجباتها او اذا ما سمحت لها القوى الكبرى ذات السطوة والمُمْسكة بقنوات التمويل والارهاب الاعلامي والكيد السياسي القيام بمهامها،مثل مجلس حقوق الانسان الذي صار في نظر ترمب يُشكّل خطرا على العالم,،هدِّدا بان بلاده لن تعود اليه الاّ بعد تحقيق الاصلاحات»التي طالَبناها بها»(...),والمحكمة الجنائية الدولية التي لا يرى فيها ترمب سوى»بيروقراطية غير مُنتخَبة»و»لا تتمتع بأي شرعية او سلطة»(كذا).فإن مواقفه ذات النزعة الانعزالية واستخدامه المُفرِط لمفردات ومصطلحات لا ترى في عالمِنا والدول الاعضاء في الامم المتحدة,سوى «مشاريع»حروب واجتياحات،تحت طائلة الخضوع لإملاءات واشنطن وتلبية اوامرها خِدمة لـِ»العقلية الوطنية التي نعتنقها»الرافضة لـ»عقلية العولَمة»،على ما كر الرّئيس الاميركي في خطابه الذي لم يزد عن ثلاثين دقيقة،إلاّ انه كان كافياً للتأكيد على ان ساكن البيت الابيض الذي تزداد مؤشرات واحتمالات إقالته او استقالته،لم يتعلّم شيئا طوال الشهور»العشرين»التي امضاها في وظيفته,بعد أن بات اسير شعاره الشعبوي»اميركا أولاً»مُفسرِاً إياه في خطابه يوم اول من امس:ان «الوطنية والسيادة... ضد العولَمة».لهذا وتأسيسا على ذلك,هو يضرب شمالا ويميناً ويشنّ حروبه التجارية المحمولة على وجبات وفصول قاسية ورعناء من العقوبات والتلويح بالحروب والغزو،ولا يتورّع عن القول: إن»مساعداتنا ستكون فقط...لأصدقائنا»،فيما بلاده تنهب ثروات شعوب العالم اجمع وشركات بلاده متعددة الجنسية،تواصِل تكبيل دول العالم بشروطها وتتوسل بلا خجل كل اساليب الفساد والإفساد لنُخب تلك البلاد ومشرّعيها,من اجل تطويع وتكييف القوانين المحلية لخدمة مصالحها الأنانية،ضارِبة عرض الحائط بمفاهيم السيادة..والكرامة الوطنية،ناهيك عما تُشكله المنظمات الدولية وخصوصا تلك النقدية والمالية والتجارية،التي تتحكم واشنطن بمفاصلها وقراراتها كـَ»سوط» تهدّد به كل من يقف في طريق»وصفاتها»كما هي حال البنك والصندوق الدوليين وايضاً نظام «سويفت»للتسويات والتحويلات المالية. ماذا عن القضية الفلسطينية؟ كرّر ترمب مزاعِمه واعاد تلاوة مزاميره وترهاته علينا،من زاوية انه»سيواصِل»مساعيه لإحلال السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، لكنه في الوقت نفسه – وهنا مربط الفرس – قال في وضوح:»لن نقع رهينة لأي عَقلِيّات وأي روايات دينية،ولِخبراء اثبتت السنوات خطأهم،وهذا قائم، ليس في ما يتعلق بمسائل السلام،بل في ما يتعلق بالازدهار ايضا». يرفض ترمب الروايات الدينية ولا يقيم وزناً لآراء الخبراء»الخطّائين»في نظره،لكن لا يقول لنا رأيه في الروايات التوراتية الخرقاء،التي يواصِل فريقه اليهودي والمُتصهين في عملية السلام المزعومة في الشرق الاوسط الترويج لها،وبخاصة في ما يتعلّق بمسألة القدس وقولهم(كوشنر، غرينبلات وفريدمان):ان اميركا لم تعترف بالقدس عاصمة لاسرائيل،بل ان»الملك داود»هو الذي اعترف بها قبل ثلاثة آلاف عام»؟. انه التهريج الموصوف،المُترافِق مع عنجهية وعرض وقِحٍ للقوة محمولاً على غطرسة واستكبار وخصوصاً قراءة غبية وجاهِلة... للتاريخ