الطفل رويد كفاك فضحت تخلفهم وإعاقتهم
رغم حقك أيها الطفل الملاك رويد الملزم لهم جميعا قانونا ودينا وأخلاقا وإنسانية ومواطنة وفوق براءتك الإلهية وطفولتك المعذبة وحاجتك الماسة والضرورية كلها لم تشفع لك عند من توقف لديهم الإحساس وغاب عنهم الضمير وسارت حياتهم على مبادئ الكسب السريع المريح والتجارة المضللة والانتقائية المفرطة والتمييز الأعمى وفقا للبلاء والمصاب والقدر رفضوك في مدارسهم وروضاتهم ونبذوك حتى لا تكون معهم وبينهم تشاركهم فرح البسمة وشغف القراءة و حب التعلم وأنس الطفولة بدواعي ومبررات سافرة وحقيرة ومخجلة يندى لها جبين الوطن والإنسانية وكأنك الطفل الوحش أو المخلوق العجيب الذي جاء من الفضاء ليرعب ويخيف اقرأنه وزملائه بما كتب الله عليه من مصاب ومعاناة أي مؤسسات تعليمية هذه التي تعجز عن احتواء وقبول واستقبال وإدماج طفل برئ عمره أربع سنوات ونصف عقله سليم وإدراكه معافى لكن فيه عاهة بتر خلقي في يديه منذ ولادته فأي ذنب اقترف وأي جريمة ارتكب بحق نفسه أو الآخرين
قصة الطفل رويد أكثر من مؤلمة ومفجعة واكبر من محزنه وظالمة وأعظم من مستهجنة ودخليه على حياتنا ومجتمعنا الذي قطعت أوصاله من المفاهيم والقيم الإنسانية والعادات والتقاليد الرفيعة والمشرقة والحميدة خاصة حينما نرى بين ظهرانينا كيف تنهش وتهمش وتحتقر إنسانية الطفولة وتقهر وتعلق على بوابات المغانم والمكاسب دون وعي أو فهم لما يعني ذلك على نفسية طفل وحياته ومستقبله بعدما تغولت علينا سطوة المال ولغة الإعمال وتسارع الاستثمار والرغبة الجامحة في جني الإرباح بأقصر الطرق والأساليب ومن أي وسيلة كانت والأسوأ والأمر والأدهى من كل ذلك خروج احد المسؤولين الجهابذة في التعليم الخاص من قمقمه متأخرا ليقدم تعليقه على الواقعة بجهالة ودون علم أو فهم قائلا هؤلاء مستثمرون ولا يمكن إجبارهم على قبول الطفل وقد كان عذره أقبح من ذنبهم إذا أي مزاجية وعنصرية وعشوائية واستهتار يحكم عمل هذه المؤسسات التعليمية التأسيسية وهي تحطم أطفالنا وتدمرهم وتقصيهم نفسيا وإنسانيا وأسريا وتلقي بهم إلى الضياع والمجهول دون رقيب ولا حسيب هل لو كان رويد ابن موظف كبير او مسؤول مهم او متنفذ متمكن وليس طفل من أبناء محافظة الزرقاء المسكينة والمعدمة هل رفض قبوله في أي مدرسة أو روضة وهل سدت الأبواب في وجه والدته كلا سوف تفصل المدارس والروضات على مقاس وحجم إعاقته إذا تلك قسمة ضيزى غير مستوية وهو عذاب الفقراء وضريبتهم التي يدفعونها عن يد وهم صاغرين دون السؤال عن أي حقوق أو رعاية أو مساواة أو عدالة
وان منع حقوق طفل معاق في التعليم يعني أن المجتمع أصبح معوق في وعيه وسلوكه والعلة غدت في النفوس أكبر وأعمق بعدما استشرت ثقافة رأس المال وعدم التكافل الاجتماعي وانعدام الإنسانية في وقت يعتبر حق التعليم من أبرز الحقوق الأساسية التي يجب ضمان توفيرها للأطفال ذوو الإعاقة فهو يُعدّ بمثابة رافعة وركيزة لبقيّة الحقوق الأخرى لدمجهم في المجتمع وجعلهم فئة منتجة في المستقبل و مع هذا الحال المؤلم والمفزع لا بد من التزام مؤسسات التعليم العام والخاص بأنواعها بتطبيق مبدأ المساواة بين الأطفال ذوى الإعاقة وغير المعاقين ويجب على هذه المؤسسات الالتزام بقواعد وسياسات الدمج التعليمي للأطفال ذوي الإعاقة وتوفير فرص تعليمية متكافئة ومناسبة لهم وعدم التمييز بين الأشخاص على أساس الإعاقة وأن يحظر حرمان أي طفل ذي إعاقة من التعليم أو رفض قبوله وفى حالة حدوث ذلك يجب ان يُسْحَب ترخيص المؤسسة لإنهاء وضعيّة الإقصاء والتمييز اتجاههم وضمان حقوق الأطفال المعوقين وبناء قدراتهم وتنمية مهاراتهم وتعزيز دمجهم في المجتمع
لقد جاء متأخر التفات العالم المتحضر إلى ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل عام والأطفال بشكل خاص بعدما نحّى جانبًا نظريات عنصرية فاسدة تدعو إلى إهمالهم بزعم أنه لا فائدة منهم ترتجى للمجتمع وقد كان ذوو الاحتياجات الخاصة في المجتمعات الأوروبية القديمة مادة للسخرية والتسلية والفكاهة فيجد المعاق نفسه بين نار الإقصاء والإبعاد ونار السخرية والشماتة ومن ثَم يتحول المجتمع في وجدان أصحاب الإعاقات إلى دار غربة واضطهاد وفرقة واقصاء وقد كان قبل ذلك المجتمع الجاهلي يقاطع ذوي الاحتياجات الخاصة ويعزلهم ويمنعهم من ممارسة حياتهم الطبيعية كحقهم في الزواج والاختلاط بالناس إلى ان جاء الشرع الإسلامي السمح ليحرّم السخرية من الناس عامة ومن أصحاب البلوى خاصة ورفع شعار لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك وأنزل الله تعالى آيات بينات تؤكد تحريم هذه الخصلة الجاهلية الغابرة
وقد قرر الإسلام الرعاية الكاملة لذوي الاحتياجات الخاصة والعمل على قضاء حوائجهم واعتبارهم أصحاب أولوية في التمتع بكافة هذه الحقوق فقضاء حوائجهم مقدم على قضاء حوائج الأصحاء ورعايتهم قبل رعاية الأكفاء وفي حادثة مشهورة والحوادث كثيرة مثلها أن سيدنا محمد صل الله عليه وسلم كان قد عبس في وجه رجل أعمى هو عبد الله ابن أم مكتوم رضي الله عنه جاء الى النبي يسأله عن أمرٍ من أمور الشرع وكان يجلس إلى رجالٍ من الوجهاء وعلية القوم يستمليهم إلى الإسلام ورغم أن الأعمى لم يرَ عبوسه ولم يفطن إليه فإن المولى تبارك وتعالى أبى إلا أن يضع الأمور في نصابها والأولويات في محلها فأنزل سبحانه آيات كريمات تعاتب النبي الرحيم صلى الله عليه وسلم عتابًا شديدًا وقد كان النبي بعد ذلك يقابل هذا الرجل الضرير فيهش له ويبش ويبسط له الفراش ويقول له مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي هكذا كان المجتمع النبوي وينبغي تحن ان نكون نتضافر في مواساة ذوي الاحتياجات الخاصة سيما الأطفال ونتعاون في تكريمهم ونتحد في تشريفهم لا أن نشهر بهم وتفضحهم ونطردهم ونرفض قبولهم أو استقبالهم فاتعظوا بالله عليكم يا من قلتم في الطفل رويد انه مقطوع الساقين وبه عاهة تخيف وترعب الطلاب أقرانه
يا رويد قل لمن رفضن قبولك واستقبالك من مديرات ومعلمات المدارس والروضات اللواتي يفترض ان يكن قدوة ومقدمة لعمل الخير والتربية ونشر المحبة والألفة والإخوة بين الاطفال
ان الاعاقه ليست في الجسد المشلول أوالمبتور أوالعاجز عن الحركه
بل كل الإعاقة تتجسد في النظرة المجتمعية الضيقة التى تجعل صاحبها مكبل بالأغلال وهى التي تعصف بالفكر وتجعله منغلقا لا يستجيب للالتزامات والواجبات الوطنية والإنسانية في أي مرحلة
وقل لهم يا رويد بصوت يطال عنان السماء شموخ وإباء و يخرق قسوة قلوبهم وتجمد مشاعرهم هل سمعتم او عرفتم معاقين مثلي منذ طفولتهم أبدعوا وتميزوا وأضاءت عقولهم نورا وفكرا وامتدت أنظارهم الى محاور بعيدة لم تحدهم الإعاقة عن العمل ولم ييأسوا لوجود نقص فيهم بل زادتهم إرادة وعزيمة ليكتشفوا للأصحاء ما عجزوا عن اكتشافه فمنهم علماء ومخترعون وأطبـــــاء وفلاسفة و فنانين ورحالين ورجال دين وشعراء وأدباء ومفكرون وأطباء وغيرهم الكثير ممن كانوا نبراسا أضاء طريق الآخرين بالإبداع والتميز حين انطلقوا بعقوله وعلومهم وأفكارهم وآدابهم وثقافاتهم فلماذا تحرمون طفل من مثل رائع مثل رويد حقه في التعليم
وقل لهم يا رويد ايضا سأذكر لكم بعض الشخصيات ممن أصيبوا بأنواع مختلفة من الإعاقات في طفولتهم مثلي ولكنهم وضعوا بصمة واضحة في مسيرة الحياة والفكر والحضارة بل وفاقوا غيرهم من الأصحاء بمـراحل كثيرة وما ذاك الا دليل ساطع وبرهان قاطع على ان الإعاقة لا تشكل حاجزا فعليا ولا سجنا إمام العقل والفكر والهمم العالية
طه حسين أصيب بالعمى في الرابعة من عمره لقب بعميد الأدب العربي
وستيفن هاو كنغ العالم البريطاني المعروف الحائز على أعلى منصب أكاديمي في مجال الرياضيات ولد مشلول وهو الان مقعدا يتنقل على كرسي متحرك
وأعجوبة المعاقين هيلين كيلر أميركية كانت مصابة بالصمم والعمى والبكم منذ صغرها ورغم هذا تعلمت الكتابة والنطق ثم تعلمت اللغات الانكليزية والفرنسية والألمانية واللاتينية ودخلت الجامعة وتخرجت ثم تفرغت للكتابة والتأليف ولها العديد من الكتب القيمة والرائعة
وأبو العلاء المعري الشاعر والفيلسوف واللغوي الذي في سن الرابعة أصيب بمرض الجدري وفقد بصره وعمار الشريعي مؤلف وناقد مصري وأحد أعمدة الموسيقى العربية ولد كفيفاً ولكنه برع في كل شيء والشيخ الضرير عبد الحميد كشك الداعية والخطيب والإمام وغيرهم كثير و كثير
إذا الإعاقة الجسدية لا تعنى شئ اذا كان هناك عقل ذكي وروح قوية وهذا ما ينطبق على الطفل الملاك رويد وما الإعاقة مرة ثانية إلا إعاقة الجهل والكسل وتنويم العقل والذهن والتكاسل والتواكل وتجاهل مستقبل الأطفال ومحاربة حياتهم بالتهميش والتجاهل والنكران وطردهم ورفض قبولهم واستقبالهم في المدارس والروضات وان فقدان جزء من جسم الطفل رويد ليس نهاية المطاف بل بداية للإصرار والتواصل والإيثار لو قبلناه واستقبلناه وعززناه ودمجناه مع أقرانه في الطفولة والتعلم وخلقنا له أجواء من الألفة والمحبة والتواصل والسكينة وجعلنا له أصدقاء وهونا عليه بلائه ورفعنا معنوياته وقوينا شخصيه مقابل ما ينتظره من أيام صعبة وحياة علمها عند الله ولهذا وحتى لا تتكرر مثل هذه الحادثة في المستقبل القريب او البعيد يتوجب على وزارة التربية والتعليم ربط هذه المؤسسات التعليمية بقوانين وأنظمة وتعليمات ملزمة وتحت طائلة المسألة والمسؤولية في حال رفض أي طفل إعاقته وحالته تسمح له وتمكنه من التعليم والتعلم
ختاما وبعد أن أثيرت قضية الطفل عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة وما وجدته من اهتمام وتعاطف كقضية رأي عام فإننا نتوجه بعظيم الشكر والعرفان وخالص التقدير والامتنان لمعالي الوزير الإنسان الجرئ والشجاع صاحب الضمير الحي عزمي محافظة وزير التربية والتعليم لتغريده بسرعة على تويتر انتصارا للطفل رويد وبقرار عاجل جاء فيه أنه من حقه التعليم لأنه حق مقدس وان وزارة التربية والتعليم مسؤولة عن تأمين قبوله في المدرسة التي يختارها خاصة كانت أو حكومية انسجاما مع سياستها بتبني التعليم اتجاه هذه الفئة من أبناء الوطن بكل حرص والتزام حيث تم مؤخرا إلحاق الطفل رويد بمدرسة خاصة بناء على توجيهات معالي الوزير
mahdimubarak@gmail.com