الاردن وسورية (الصمت من ذهب)
لاول مرة تخرج اصوات عربية تطالب نظام دمشق بوقف العنف ضد المتظاهرين, الاول كان بيان مجلس التعاون الخليجي, والثاني بيان الجامعة العربية. واذا كانت هذه المواقف تستجيب لمطالب امريكية - اوروبية بأن على العرب ان يتحركوا لمساندة الضغوط الدولية على الرئيس الأسد, فإن الموقف التركي يظل الأهم, بعد تصاعد اللّهجة التركية ورد الفعل السوري عليها بموقف أشد حزماً. فهل ستترجم هذه اللهجة بمواجهات على الارض?
من المستبعد ان تلجأ أنقره الى عمل عسكري ضد سورية, غير انها هيّأت الأرضية السياسية والميدانية لامكانية قيام تحالف عربي - تركي - دولي ضد دمشق. اذا اصر النظام على مواصلة حربه الداخلية .. وخطورة مثل هذه التحولات ان حدثت, ستتخذ طابع المواجهة الاقليمية. لان ايران, واطراف رئيسية في العراق إضافة الى حزب الله سيتحركون لدعم نظام الأسد, فسقوط هذا النظام يعتبر خسارة استراتيجية لا تحتملها هذه الاطراف.
حساسية ودقة وخطورة الوضع قد تترك الثورة السورية وحدها في الميدان في مواجهة آلة القمع الدموية. والواقع ان الشعب السوري مصمم على ان يصنع ثورته بتضحياته منتظرا تفكك النظام من الداخل.
يبقى الموقف الرسمي الاردني تجاه الاوضاع في الجارة الشمالية, فمن الواضح ان عمان في مأزق لا يقل حساسية ودقة, خاصة بعد ان اعلن مجلس التعاون الخليجي مواقف حازمة من العنف الذي يرتكبه النظام السوري. فهل ذلك سيكون اختباراً للسياسة الخارجية الاردنية وهي تستعد للالتحاق بالمجلس الخليجي, ام انها ستعتمد فقط على موقفها المساند للبحرين لتظهر اهمية انضمامها لمجلس التعاون. وفي كل الاحوال فإن لسان حال السياسة الاردنية في الوقت الراهن هو (الصمت من ذهب). وهذا يعني ان الاردن يكيل بأكثر من مكيال تجاه ثورات الربيع العربي. واحد منحاز كما في ليبيا. وآخر مضاد كما في البحرين, وبينهما حالة تسكين سياسي في التعامل مع التطورات في اليمن وسورية.
من جانب آخر يخطىء النظام في دمشق ان اعتقد بأن العالم يقف مكتوفا امام المجازر اليومية التي يرتكبها ضد شعبه. فالتدخل الخارجي سيعتمد الى حد كبير على تصرفات النظام الذي يبدو انه اضاع الفرصة التي منحها له الصمت العربي ومواقف اللافعل الدولية حيث اندفع بقوة خلف الحلول الامنية وتوريط الجيش (الوطني) في حرب مكشوفة ضد المدن السورية ولم يعد احد يأخذ جديا مزاعمه عن الاصلاح والحوار...الخ
النظام عينه, وليس غيره من ساهم في تهيئة الساحة العربية للتدخل الاجنبي سواء بمشاركة قواته في حفر الباطن من اجل طرد قوات صدام من الكويت, او ببناء سياسة المحاور في المنطقة بالاعتماد على دولة غير عربية هي ايران.فكيف له ان يعتقد بأنه سيفلت من المحاسبة الاقليمية والدولية على ما يرتكبه من حملات حصار وحشية لاسكات صيحات الحرية والكرامة التي تطالب بها الملايين من الجماهير تحت شعار »الموت ولا المذلة«. انه بهذه الاعمال المدانة يهيىء الظروف العربية والاقليمية للتدخل الاجنبي خاصة وان شرعية النظام اصبحت محل تداول«.
قد يشعر الرئيس السوري (بالانتصار) والتفوق ميدانياً على الجماهير العزلاء في دير الزور وحماه وحمص وادلب والمدن والبلدات الاخرى, لكن رائحة الدم وجثث الضحايا بدأت تؤثر بقوة على الرأي العام للشعوب وعلى مواقف الحكومات مما ينبىء ببداية ازمة اقليمية خطيرة ستؤدي الى تدويل الوضع السوري.