الطبقية والتمييز بين عمان وأخواتها

 


اليتيم من مادبا،والمسؤول يحتل موقعاً رفيعاً،واذ يقول اليتيم للمسؤول»بدنا ملابس للعيد مثل اولاد عمان»يسكت المسؤول ألماً امام هذه العبارة!.

كثرة منا تعتقد ان تبني اليتيم او مساعدته،تعني رمي ملابس اولاده المستعملة في وجه اليتيم،او التصدق بأثاث متداعٍ لبيت ايتام،وهذا ان كان مقبولا الى حد ما،الا ان عليك ان تعطي اليتيم مثلما تعطي ابنك، لا فضلة ابنك او ابنتك.

اليتيم كان في مبرة ايتام،يتحدث الى مسؤول رسمي،وهو يعبر عن ان جهات عديدة تشتري للايتام في الاعياد ملابس رخيصة،وفي حالات يتم جمع ملابس مستعملة،وهكذا فوق اليتم تتم اهانة اليتيم بتقديم اسوأ مالدينا،وكأننا نسخر من يتمه ونزيده صفعاً فوق صفعات الزمن.

لم أنم ليلة زيارتنا للمبرة التي حدثتكم عنها البارحة،اذ بقيت وجوه الايتام حولي،وخصوصا،جملة اليتيم الذي كان اساساً في دار لرعاية الاطفال في مادبا قبل ان ينتقل الى عمان،وهاهو يقول بصراحة»بدنا ملابس للعيد مثل اولاد عمان» وهو هنا يعلن ان الطبقية والتمييز بين الناس،وصل الى كل المستويات.

بقيت افكر في هذه العبارة،واحساس الناس بالفروقات بين ابناء عمان،وابناء المحافظات،وهو احساس يولد قهراً كبيراً،لان هناك شعورا بعدم العدالة،وغياب المساواة،وكل الفرص الاقتصادية موجودة هنا في عمان،في حين تغيب المحافظات الاخرى عن التنمية مثل مناطق مادبا ومحافظات الجنوب والبوادي والاغوار وعجلون.

بيد ان عمان محسودة على عماراتها وسياراتها،ولايعرف كثيرون ان الفقر يستوطن بشدة في عمان،وفي عمان الشرقية مئات البيوت بلا ثلاجات،ومئات البيوت لاتجد طحين يومها،وفي عمان الشرقية ايضاً،فقر وبطالة ومشاكل لاتعد ولاتحصى،واذ تذهب ايضا الى المخيمات في العاصمة،تكتشف ان حياة اغلبهم كمن يغرق في بحيرة طين مالحة،فقر وبطالة ومساكن سيئة.

نصف عمان الثانية،اي الغربية،مرهون في اغلبه للمصارف،ومعظم البيوت والسيارات التي يتنافخ بها سائقوها مرهونة للمصارف ايضا،والراتب موزع على اقساط البيت والسيارة،وبالكاد تكفي بقيته لرسوم المدرسة وثمن «جعصة» المساء على نفس ارجيلة.

بهذا المعنى لاندافع عن عمان،لكننا نقول ان الفقر قد حل على كثيرين،وان الفئة التي تنفق فقط هي فئة محدودة داخل البلد،تغلق بسياراتها عمان الغربية كل مساء،وتلك الفئة المغتربة،او التي لها ابناء يغتربون في الخارج.

برغم كل ذلك،لامقارنة عادلة بين الحالين،لان الفقر في عمان،ليس مثل الفقر في المحافظات،والحرمان في عمان،ليس مثل الحرمان في المحافظات،وفي المحافظات تتبدى القسوة بكل معانيها،وحتى الطفل اليتيم من مادبا اذ يقول للمسؤول انه يريد لباساً مثل ابناء عمان،فهو يحذر المسؤول وكل الدولة والناس بشكل فطري وطبيعي من التمايزات والفروقات بين الناس.

هو احساس مرير امتد حتى الى اليتيم المسكين،الذي يشعر ان ملابسه رخيصة،او يرمي بها المتبرعون والتجار باعتبارها لفتة انسانية فيما هي احياناً تنظيف للمستودعات من البضائع القديمة،وتخفيض لفاتورة ضريبة الدخل.

لكل ماسبق،وبسبب تلك المرارات في صدور الناس،من الايتام،الى غيرهم،آن الاوان لهذه الدولة ان تعيد مراجعة كل الحسابات،والركون الى صمت الناس،مراهنة على المجهول،وطفل يتيم من مادبا مازال في مطلع حياته يشعر حتى بالتمييز الاقتصادي،يقول لك الكثير عمن هو اكبر منه سناً.

تبقى قصتنا الاولى،فاليتيم في الاردن،لاتصح معاملته باعتباره يقبل اي شيء،وانه مكسور الجناح،يقبل لباساً رخيصاً او مستعملا او طعاماً فائضاً،واكرام اليتيم يكون حقاً بمعاملته باعتباره في ذات مكانة الابن،كما ان تذكر اليتيم في رمضان،وتركه بقية العام،يقول ان تديننا موسمي،ومشاعرنا موسمية،وحبنا شهري،وعطفنا شهري،فيما احد عشر شهراً اخرى نعود فيها الى عاداتنا القديمة من التعامي والصمم.

ليس اسوأ من شعور اليتيم بالظلم،وليس اخطر من شعور غير اليتيم بأنه بات ايضا مثل اليتيم في بلده!.

mtair@addustour.com.jo