|
أعترف بأني حديث العهد بـ»الفيسبوك»...اتعامل شخصياً مع صفحاته، منذ ثلاثة أسابيع فقط...قبل ذلك، تطوّع آخرون لإدخالي إلى هذا العالم، إلا أن ترددي وإحجامي، حالا دون أن أمتلك صفحات فاعلة ونشطة...الآن بدأت الصورة تتغير، وإن كنت لمّا أزل، أقارف أخطاء تثير الضحك والسخرية أحيانا: فأنا قد أشطب تعليقا لصديق بدل أن أعلق عليه...أحيانا أبدي استحسانا Like لما كتبته شخصيا، فأبدو نرجسياً للغاية، في حين أنني كنت أريد التعبير عن قبولي واستحساني لما جاء من تعليقات على ما كتبت...وأحيانا أعيد كتابة المادة ثلاث أو أربع مرات قبل أن أوفق في نشرها.
على أية حال، ليس هذا ما أردت أن أقوله...لقد استوقفتني بعض الظواهر «الفيسبوكيّة» التي أردت أن أجعل منها موضوعاً للكتابة بعيداً عن السياسة (قريباً منها) هذا اليوم...سيما وأنني ما زلت «مأخوذاً» في هذه العوالم، ولم أتطبّع معها بعد.
والحقيقة أنه ليست لدي أرقام أو إحصاءات عن شاغلي هذه العوالم والمشتغلين فيها...سمعت أن أكثر من مليون أردني، اتخذوا لأنفسهم مواقع على «الفيسبوك»...مشاهدتي تقول، أن نسبة النساء / الإناث من بين هؤلاء أكثر من نسبة الرجال / الذكور...ألحظ ذلك من الأسماء والصور التي تظهر على يمين الصفحة، كأصدقاء محتملين...والأهم، أن العنصر النسائي أكثر نشاطاً من العنصر الذكوري من حيث التبادل والتجاوب والتعليق، ولا أدري إن كان للأمر صلة بفارق «الالتزام» بين الجنسين، أم أن معدلات البطالة المتفاوتة، تجعل النساء أكثر تفرغاً من الرجال...ليست لدي إجابة.
استوقفتني عشرات ومئات المواقع، التي استبدل أصحابهم صور محمود درويش بصورهم...ليت أن هناك إحصاء أو رقما بذلك، إذ ربما احتل الراحل الكبير المرتبة الأولى على هذا الصعيد...حنظلة، أو ناجي العلي، احتل عدداً من الصفحات، لا يقل أبداً عن محمود درويش...رأيت غسان كنفاني ينتشر على مساحة واسعة من صفحات «الفيسبوك»، وغالباً لكوادر ونشطاء من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين...رأيت صورا لياسر عرفات وجورج حبش وخليل الوزير...مذيّلة بأسماء عشرات المشتركين والمشتركات...»الأموات» بعثوا للحياة على صفحات «الفيسبوك»...أنهم أكثر حضوراً من الأحياء أنفسهم...بالطبع ليس كل الأحياء وليس كل الأموات...والحقيقة أنني لم أر صوراً لمعظم، إن لم أقل جميع، قيادات هذه الأيام (الأحياء)، باستنثاء محمود عباس، الذي ارتبطت بصورته مواقع فتحاوية عديدة، وكذا الحال بالنسبة لبعض قيادات حماس ورموزها ومؤسسيها.
استوقفتني الجرأة التي يعرض فيها الناس، لجوانب خاصة وشخصية من حياتهم، على الملأ...شعرت بأن هناك من لديه رغبة في أن يُمضيَ حياته على خشبة المسرح، عارضاً على النظّارة والمشاهدين، كل ما يمكن أن يثير فضولهم...في المقابل، رأيت المحافظين والمتحفّظين، الذين لم أفهم الحكمة من اختبائهم خلف أسماء (مشفرة) و»صور ليست لهم» ومعلومات محجوبة عن الجميع...هؤلاء يرغبون على الأرجح في ممارسة هواية «التلصص» على الآخرين، من ثقب الباب، ولقد اختاروا ثقوب أبواب ضيقة للغاية، بحيث لا ترى عبرها سوى حدقات عيونهم...أنهم يرون العالم من «خرم إبرة».
لفتتني جرأة البعض في «السطو» على المساحات الخاصة بالآخرين...كل «ما يعنّ على راسه موّال»، ينقله بالصوت والصورة والكتابة، إلى «جدارك»...يلزمك شئت أم أبيت، بأن تقرأ ما يفيض عن عقله ومشاعره من أفكار وخواطر...يطرد صورك ليضع مكانها من الصور والرسومات، ما ينسجم مع «مزاجه» في تلك اللحظة...لا ينتظرك لتزور «معرضه الخاص»، يقتحم عليك غرف نومك بكل قوة، ومن دون استئذان، يغرقك بطوفان من «المقتطفات» و»القصص»، قليلها سمين، وأكثرها مفرط في التفاهة والتهافت...هذه الفئة من الناس، غزيرة في «القص واللصق»...ليس لها ما تفعله سوى قص هذه الصورة أو النص، ولصقهما حيثما شاء ووقتما شاء.
ولكم سُعدت باسترجاع صلات مضى على «انقطاعها» أزيد من ربع قرن...يا إلهي ما الذي تفعله تصاريف الدهر بنا...وكيف تحفر السنون أخاديد في وجوه كانت نضارة وجمالاً، لم تكن تتمالك أمامها سوى أن تقف مشدوهاً للحظات، قبل أن تجمع شتات نفسك، وتبدأ بتبادل ما هو دارج من عبارات ومجاملات.
لم أكن أعرف كيف يمكن للفيسبوك أن يكون مصدراً هائلاً للمعلومات ورافعة هائلة في الحشد والتعبئة والتنظيم، حتى تجوّلت لبعض الوقت في عوالمه...تذكرت النكتة المصرية التي انتشرت بعد ثورة 25 يناير عندما سُئل الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر عن سبب وفاته فقال: السم الزعاف على ما يبدو...في حين أجاب السادات على السؤال ذاته بالقول: وابل من الرصاص في عملية المنصة الشهيرة...أما حسني مبارك فاكتفى بكلمة واحدة: «الفيسبوك»...نعم الفيسبوك، إنه يحي ويميت...أمات أنظمةً وأحيا شعوباً.
|