قراءة في الحديث المتلفز للرئيس الرزاز


مشاهدو اللقاء التلفزيوني لدولة الرئيس الرزاز مع التلفزيون الأردني استشفّوا الصدقية والعفوية والوطنية النابعة من القلب، حيث كانت الشفافية والتأشير للتحديات الجسام وتحويلها لفرص عنوان عريض، وضرورة البدء فوراً بحوار وطني للإصلاح السياسي وبناء جسور الثقة بين المواطن والحكومة، والمحاربة الحقيقية للفساد والمفسدين وتقديم مشروع قانون «من أين لك هذا؟»، والتأشير لبناء حكومة برلماني خلال سنتين؛ وتعريج على موضوع العفو العام، وهنالك تفاؤل بحذر للمرحلة القادمة.
في مسألة الثقة بين الحكومة والشعب كان دولة الرئيس واضحاً بقوله أن الثقة بين الحكومة والشعب شبه معدومة وتحتاج لترميم للعلاقة البينية بالصدق بالتعامل والوعود وتوافقية القول بالفعل، ولا يمكن لهذه العلاقة أن يتم إصلاحها إلّا إذا أخرجنا المواطن من حالة الإحباط والخذلان التي يعيشها، وبالطبع هذا يحتاج لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب وفق الإستحقاق بجدارة والعدل ومكافحة الفساد وكل ذلك يحتاج لقرارات واقعية على الأرض ويحتاج لوقت زمني معقول.
وفي مسألة الحكومة البرلمانية التي وردت في الأوراق النقاشية الملكية والتي أشّر إليها دولته من خلال الرؤى الملكية ليتم تحقيقها على الأرض خلال سنتين قادمتين، وبالطبع فإن ذلك لن يتم إلا إذا تم تقوية الأحزاب البرامجية لتأخذ دورها الفاعل، وضرورة إيجاد قانون إنتخاب عصري داعم للأحزاب لتشكّل الحكومات البرلمانية من خلال صناديق الإقتراع ومن تحت قبة البرلمان، وهذا حلم وطني كبير نادى به جلالة الملك منذ زمن بعيد ومن خلال الأوراق النقاشية والخطابات الملكية.
وكانت دعوات الحوار الوطني للإصلاح السياسي حاضرة في لقاء دولة الرئيس الرزاز، ولهذا فإنه يتوجّب على الحكومة وبالسرعة القصوى ضرورة إطلاق حوار وطني على قانوني الأحزاب والانتخاب لغايات تعزيز المشاركة الشعبية صوب الحكومات البرلمانية وتطوير الحياة السياسية في البلاد، وهذا هو جوهر الإصلاح السياسي المنشود للخروج من حالة الإحباط السياسي التي باتت تؤثّر على الوضع العام وحالة الركود السياسي التي تراوح مكانها كنتيجة للتحديات الجسام التي يعيشها الوطن والتي تنعكس عليه من إقليم الشرق الأوسط برمّته.
أمّا في مسألة الحوار الوطني فعلينا الرقي بلغة الحوار لتصبح ثقافة وطنية بإمتياز، والاستفادة مما آلت إليه آليات الحوار للفرق الوزارية في المحافظات حول قانون ضريبة الدخل ليكون الحوار وطنياً بامتياز دون تخندق أو فزعات أو مناوشات أو تراشق، لأن الأصل دستورياً أن تجري الحوارات الوطنيات تحت المنابر الدستورية وخصوصاً تحت قبة البرلمان المُنتخب والذي يمثّل ألوان الطيف السياسي كافة للشعب.
وفي مفصل محاربة الفساد فإن الإعتراف بوجود فساد ضرورة حتمية أولاً للانطلاق لمحاربته بشتى الوسائل، والأهم تقديم كل من يثبت تورطه بالفساد للقضاء العادل ليأخذ جزاؤه، وعلى الحكومة الإسراع في ذلك لكسب ثقة المواطنين وتجسير الهوّة بينها والشعب ولكسر ظهر الفساد وفق التوجيهات الملكية.
وربما البدء في إقرار قانون من أين لك هذا؟ كمعزّز لقانون الكسب غير المشروع ليكون البداية للمساءلة ومكافحة الفساد، هذا القانون الذي ستتقدم به الحكومة لمجلس الأمة قريباً هو حلم أغلبية الشعب ليتم من خلالة مساءلة كل مشكوك بمدّخراته وأمواله ولوضع حد لكل حالات الفساد التي يؤشّر لها البعض هنا وهناك، وبالتالي يُجرّم من تثبت إدانته ويُترك ويُخلى سبيل من تم إتهامه جزافاً لا سمح الله.
وفي موضوع قانون اللامركزية الذي نجزم جميعاً بأن فكرته واقعية وجميلة وضرورية في هذه المرحلة، لكنه حقاً بحاجة لتطوير حقيقي بحيث يكون هنالك تكاملية بينه وبين أدوار البلديات ومجلس النواب، وضرورة وجود حدود فاصلة بين دور كل جهة، ليعنى مجلس النواب بالمساءلة والمراقبة والتشريع، وتعنى البلديات بالخدمات، ومجالس اللامركزية بالتنمية بالمحافظات، والأهم إيجاد تنمية حقيقية في المحافظات وإيجاد فرص عمل على الأرض للشباب العاطل عن العمل.
وتعريج دولة الرئيس على مسألة العفو العام كانت في وقتها حيث كثير من الناس يطلب ذلك لفتح صفحة جديدة، لكننا في ذات الوقت نؤكّد على ضرورة أن لا يشمل ذلك أصحاب الجرائم الكبرى التي تمس أمن الوطن وحقوق الناس وغيرها، وبالتالي ضرورة دراسة كل حالة على حدا خوفاً من أن يكون مردود العفو العام عكسياً ويبدأ هؤلاء بالعبث بأمننا المجتمعي من جديد.
بصراحة، دولة الرئيس الرزاز موضع ثقة جلالة الملك والشعب ويستحق كل الدعم، ويمتلك رؤية واضحة لفهم التحديات الداخلية والخارجية، ووضع أصابعه على كل المفاصل التي تُعزز ثقة المواطن بالحكومة، ويحتاج فعلاً لمنحه فرصة حقيقية للإصلاح المنشود على الأرض ليبقى هذا الوطن عزيزاً منيعاً.
*وزير الأشغال العامة والإسكان الأسبق