قانون النسخ السريع


أتمنى من الجيل الجديد أن يستمروا في طلب الإصلاحات – عبد الله الثاني ابن الحسين
لقد تغير الأردن!
وزراؤه خرجوا من مكاتبهم وطافوا محافظات المملكة لإقامة جلسات حوارية بهدف إقناع الناس بقانون الضريبة الجديد، بعضها فشل وبعضها لم يعقد، وعبّر المواطنون عن آرائهم بدبلوماسية أو بفجاجة دون أن يعترضهم أحد، وسمع الوزراء كلمات وجملاً كنا نسمعها فقط في الديمقراطيات الأصيلة.
رئيس الوزراء يلقي محاضرات هنا وهناك ويستخدم أدوات الجيل الجديد ويجتمع مع شباب الدوار الرابع، ويقوم بمحاولات جادة لتسويق القانون على الشعب من خلال إصدار قرارات شعبية عديدة انتظرها الناس.
نعم لقد تغير الأردن.
وفي خضم هذه الأحداث تذكرت دراسة قامت بها جامعة هارفرد عام 1977 حين طُلب من متطوعين محاولة تخطي الدور في طابور لتصوير الوثائق، طُلب من المتطوعين أن يقدموا أعذارا للواقفين تبرر اقتحامهم للدور ضمن ثلاثة خيارات، الأول عفوا لدي فقط خمس صفحات للتصوير هل بالإمكان أن استخدم الماكنة، والثاني هل يمكنني استخدام ماكنة التصوير لأنني مستعجل، والثالث أريد أن أنسخ.
كان أكثر الناجحين في الحصول على مبتغاهم أصحاب الخيار الثاني ثم الأول وأخيرا الثالث.
وسميت هذ الدراسة بدراسة النسخ السريع.
تنبع أهمية هذه الدراسة من أنها أثبتت أننا ما دمنا نستطيع تبرير سلوكنا (أنا افعل ذلك بسبب) فسنقوم بهذا السلوك بعيدا عن حسابات المنطق، وعندما تطلب من شخص أن يقدم لك معروفا ستنجح إن قدمت له سببا.
وفيما يبدو أن طرفي النزاع في موضوع قانون الضريبة لديهم مبرراتهم لسن القانون أو لرفضه، ويعطون أسبابهم التي يؤمنون بها.
فالحكومة ترى أن صدور هذا القانون مسألة أمن قومي، فهو شرط من شروط الجهات المانحة لإعطاء الأردن قروضا جديدة أو توفير سيولة لسداد استحقاقات مبرمجة، فعلى الدولة القيام بإصلاحات هيكلية مثل هذا القانون لزيادة إيرادات الحكومة وبالتالي سداد الالتزامات المترتبة عليها، في ظل جفاف المساعدات وعجز كبير ومتراكم في الموازنة يصل إلى % 95 من الناتج المحلي.
ونجاح الأردن في إصدار هذا القانون سيكون نفاذا لمطالب الجهات المانحة مما سيفتح شهية جهات أخرى مقرضة لتقديم قروض إضافية للأردن طالما هو ملتزم ببرامج التصحيح الاقتصادي.
فالحكومة ترى في هذا القانون مسألة وجودية.
حاولت الحكومة أن تسوّق هذا القانون لكن المسألة الآن أصبحت أن القوانين وضعت لتُخرق في غياب الثقة بين المواطن وحكوماته، وهذه قناعة أصبحت مترسخة مع استشراء الفساد وعدم جدية كثير من الحكومات في مكافحة الفساد أو التعامل بشفافية، وتبلد الإدارة العامة وغيرها.
الأهم برأيي هذه الأيام محاولة تغيير قناعات الناس وتخفيف الاحتقان.
الحكومة في نهاية المطاف ستخرج بالقانون بصيغة معدلة، وسيتم نسخ القانون نسخا سريعا، وما أخشاه هو أن يصبح هذا القانون شعرة معاوية التي ستقطعها الحكومة مع شعبها.