الحاج حيدر عيسى مراد سيظل ذكرك أثر طيب وسيرة عطرة
يوم الأربعاء الواقع في 12/9/2018 عن عمر ناهز 78 عام انتقل الى رحمة الله تعالى العين الأسبق ورجل الأعمال الحاج حيدر عيسى مراد عميد التجار ورئيس غرفتهم وقد وري الثرى بعد سنوات مديدة كرسها في العمل الوطني البناء وأعمال الخير المتنوعة وبذلك انطوت صفحة مهمة من تاريخ الاقتصاد الوطني في المملكة برحيل شهبندر التجار كما كان يحلو لزملائه ومحبيه أن يسموه بالنظر لدعمه المتواصل لمجتمع رجال الأعمال فقد أمضى سني حياته في تقديم الخدمة لوطنه وللناس كافة حيث ساهم في تعزيز وتقوية روابط العمل التجاري في الأردن منذ منتصف الستينات من القرن الماضي بالإضافة لدوره الفاعل في حماية ألتجارة والتجار والوقوف إلى جانبهم من خلال القوانين والتشريعات الناظمة عبر موقعه في عضوية مجلس الأعيان لسنوات طوال وقد جمع الحاج مراد في شخصيته القوة واللين في آن واحد وفقاً لما كانت تتطلبه الظروف والأحوال وقد فقد الوطن رجلاً من كبار رجالاته بعد إن رحل عن دنيانا الحاج أبو عيسى صاحب الأيادي البيضاء الذي كان يسارع في عمل الخيرات وواحد من أبناء الأردن البررة الذين ساهموا بحق في بناء نهضته الاقتصادية ومؤسسات القطاع الخاص في أقسى وأحلك الظروف وعلى القيم الراسخة للرعيل الأول من تجّار عمان وأعطى مثالاً حيا وصادقا للأجيال بما تميز به من عقلية منفتحة وإقدام ومثابرة وتواضع وأخلاق دمثة وقرب حميم من مختلف أبناء الوطن
نعم لقد بكت بحزن وحرقة وألم عين العمل الاقتصادي والخيري بفقدان الحاج حيدر مراد حيث كان أباً وأخاً ومعلماً في مسيرة عطاء متصل تجاوزت نصف قرن من الزمن وعندما يصاب الإنسان بموت عزيز كريم الشمائل يحار عما ماذا يتحدث ومن أي الصفات يبدأ وإذا كان أبو عيسى رحمه الله لم يتطلع إلى أي منصب حكومي أو مركز سياسي فقد دخل ميداني العمل الخاص والعام من أوسع أبوابهما وقد ظل على الدوام يعد من رجالات الأردن البارزين وواحد من رعاة نهضتها الاقتصادية والتجارية المشهود لهم برجاحة الرأي وسعة الأفق وحب الوطن وقد حظي بحب الناس واحترامهم لمواقفه الخیِّرة والنبیلة على الرغم من انشغاله الشديد بتجارته الواسعة حيث ترك وراءه ابناءا أوفياء وإرثاً غنياً ومؤسسات اقتصادية نعتز بها وما سنواته المثمرة والمتوالية على رأس شركاته الناجحة إلا مثالا ناصعا لما حققه وأنجزه
وان أهله والأسرة الاقتصادية والتجارية سيفتقدون حضوره وحكمته وبساطته ومكانته ولكن لهم العزاء في ما تركه من إرث طيب وحياة حافلة مضيئة بالعمل والصدق والأمانة وسيبقى الجميع يتذكره رحمه الله بإعماله الجليلة ومساهماته ومبادراته الخيرة ودوره البارز في دعم وتنشيط الاقتصاد الوطني في كافة الأصعدة حين كان يرفض الغش والخداع والمكر السيئ في تجارته ويبتعد عن الاحتكار والاستغلال وكان ينادي ويدعم ويعزز نهج التاجر الصادق الأمين الذي يحشر يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
مسيرة حياته في بدايتها كانت أشبه بملحمة تراجيدية ينبغي ان تدرس فصولها في تعلم مبادئ الصبر وإعادة بناء الذات والإيمان والكفاح والمثابرة فمن شاب يافع على عيش رغد كريم في ظل والده التاجر المشهور صاحب السمعة الطيبة ومحبة الناس الموصوف بالعز والغنى والثراء ثم الى الحاجة والفاقة والإفلاس بعد حادثة ألمت بهم تعلم في مدرسة والده أصول التجارة والمهنة والإخلاص والاحتمال عند الشدائد والرضا بالأقدار والصدق في القول والعمل وكان يحمل في أعماق وعيه قول والده بعد ضياع المال وتردي الأحوال وغرق الباخرة " إننا الآن لا نملك شيئا ولن نستطيع ان نعيش ونأكل كما كنا بالسابق أريد منك ان تصبر حتى يفرجها االله علينا وهكذا انتقلت حياتي من رغد كبير الى ضنك شديد " ومن رحم الضياع والمعاناة والألم خرج الضياء وانبثق الأمل بعد طول صبر ومشقة وتعب وفوق تراب الاردن وببدايات بسيطة ومتواضعة
أسس الحاج حيدر مراد تجارة أصيلة ومتخصصة تؤمن كل ما يحتاجه السوق المحلي والإقليمي وبثقة تجارية عالية وتعامل راقي ومتميز وبتواصل مع كل أطياف المجتمع حيث لم يجد صعوبة في أن يمتلك قلوب الجميع بطيبته وحنكته وطرافته التي ليس لها مثيل حتى بات ذكره في معظم المجالس الرسمية والشعبية وفي حضوره ترفرف البهجة والفرح على المكان إلى جانب ذلك فمنزله ومكتبه كانا وجهة كرم وجود وسخاء لا يكاد مجلسه يخلو من الضيوف وإلى جانب ذلك فهو وصول لا يغيب عن الأصدقاء والأحبة في أفراحهم وأتراحهم ويحرص على جمع الأقارب والزملاء والأصدقاء من حوله وكان يردد كثيرا قوله من يزرع يحصد عندما يسأل عن أي نجاح او فوز يحققه وكان لا يتقاعس عن مناسبة ولا يتأخر عن مناصرة مظلوم ولا نجدة مكروب او مساعدة محتاج يعمل لوجه الله بدون حساب ولا منة ولا أذى وكان قريبا من نبض الشارع محبوبا من العامة يتميز بالعطاء والكرم والإحسان غير ان ابرز ما عرف عن المغفور له باذن الله هو تجارته الرابحة مع الله حيث ساهم في التبرع للكثير من المشاريع الإسلامية الخيرية وبناء المساجد ودور حفظ القرآن الكريم وكفالة اليتامى والإنفاق على الأسر الفقيرة والمحتاجة حيث مارس العمل الخيري والتطوعي منذ صغره وكان يشعر بقمة الفرح والسعادة وهو يتلمس أوجاع الآخرين فلم يترك جمعية خيرية او مؤسسة تعنى بالفقراء الا وكان رئيسا لها او عضو فيها فقد كان حيث تشرف بعضوية الهيئة الهيرية الهاشمية الأردنية وكان رئيسا لجمعية حمزة بن عبد المطلب الثقافية الإسلامية لرعاية الفتيات اليتيمات وقام ببناء مسجد ضخم بأسم المرحوم والده يعتبر اية هندسية ومعمارية
سائلين الله العلي القدير ان تكون هذه الإعمال في ميزان حسناته يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من آتى الله بقلب سليم
وبحسه الوطني حمل صدق مشاعره ووفائه وانتمائه للأردن في كل مرة كان يزور فيها قطاع غزة مسقط رأسه واعتبر نفسه سفيرا لبلده هنالك وهو يستذكر معهم دعم جلالة الملك عبد الله الثاني والشعب الأردني ومساعداتهم الطبية والتموينية والإنسانية والمواقف السياسية الدولية لدعم صمودهم ومواجهة الاحتلال والعدوان
وكان يؤمن بشكل راسخ بضرورة عمل الخير وان كل شخص يساعد الآخرين يعوضه الله تعالى عن كل قرش دفعه زيادة ويبارك له في إرباحه
وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ولا يخاف المسغبة وحينما تزوره تحسب مكتبه أو بيته تكية للبر والصدقات رحمك الله يا ابى عيسى بقدر ما قدمت لوطنك وأنت طاهر اليد وافر الجناب عفيف اللسان سليم الطوايا
ومن عرفه عن قرب يشهد له بالخلق الرفيع وبالأدب والتواضع الجم مع الكبير والصغير رغم إمبراطوريته التجارية الكبيرة والممتدة وكان يفتخر بسمعته الطيبة وصدق تعاملة التجاري
وقد كانت حياته حافلة بالعطاء على مستوى العمل الوطني في الحرص على استقرار الأسعار في السوق المحلي في وقت الأزمات وكان يبحث أواصر التعاون التجاري مع مختلف الدول ويعمل على تقويتها وتوطيدها من خلال تواجده في المحافل الدولية التي كان يمثل المملكة فيها حيث ترأس وفوداً اقتصادية مؤلفة من رجال الأعمال كانت تقوم بزيارة مختلف الدول لبحث آفاق التعاون الاقتصادي بين المملكة وتلك الدول وقد كان رئيسا لمجلس إدارة غرفة تجارة الأردن واختير في عام 2001 عضواً في مجلس الأعيان وشغل عضو في مجلس إدارة بنك القاهرة عمان ومجلس إدارة مجلس الاستثمار الأعلى ومجلس إدارة مؤسسة تشجيع الاستثمار وعضو مجلس الأوقاف الأعلى وعضو مجلس صندوق المعونة الوطنية وعضو مجلس إدارة غرفة التجارة العربية البريطانية وعضو مجلس إدارة غرفة التجارة العربية الأميركية وعضو مجلس إدارة اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة العربية وغيرها وقد كرمه المغفور له جلالة الملك الحسين بمنحة وسام الكوكب الأردني من الدرجة الثالثة تقديرا لدوره في مجال الأعمال الخيرية والتطوعية وخدمة المجتمع وفي عهد جلالة الملك عبد الثاني تم تكريمه بمنحه وسام الاستقلال الاقتصادي
بالأمس القريب ودعناه إلى جوار ربه الكريم نشهد له بالسيرة الحسنة الطيبة العطرة ونحن شهداء الله في أرضه فالهم أكرم وفادته واعل منزلته واغفر ذنبه واجعل قبره من رياض الجنان واجعله في الفردوس الأعلى من الجنة يا رحمن يا رحيم انك قريب سميع مجيب الدعاء
mahdimubarak@gmail.com