التحول الرقمي لم يعد ترفا

الرسالة التي أرسلها "جاك ما" مؤسس ورئيس مجلس إدارة عملاق التجارة الإلكترونية "علي بابا" وأعلن فيها عن نيته ترك منصبه بعد عام ركّزت على الحاجة إلى مبدأ "التحول" في ثقافة وأسلوب عمل المؤسسة بحيث "تتحول الشركة من مؤسسة تعتمد على الأفراد إلى شركة مبنية على أنظمة التفوق التنظيمي وثقافة تنمية المواهب" كما ورد في رسالة "ما".
مصطلح التحول يتكرر كثيرا ومنذ زمن سواء في نماذج الأعمال، أو إدارة الدولة، أوالإصلاح الاقتصادي. فمن التحول الإداري إلى التحول الاقتصادي والاجتماعي إلى التحول الرقمي تشكلت عناوين رئيسية للبرامج والخطط والرؤى خلال تلك السنوات وما زالت تتعاظم، مما يظهر مدى الشعور بالحاجة إلى إحداث تغيرات ثورية بجرأة وسرعة لمواجهة التحديات ورفع القدرة التنافسية ومواكبة التقدم العلمي والتطورالتقني لدى الدول والمؤسسات .
لقد كان التحول الشامل هدفا للرسل والمصلحين والمجددين والفلاسفة والقادة، فالتحول ينطلق من رؤية محددة يمكنها حشد الطاقات حولها لتحقيق أهداف تخدم الإنسان. وفي الجانب الآخر، سعى المفسدون والمغامرون والمبتدعون إلى إجراء تحول يتوافق مع أهوائهم ومصالحهم، فعملية التحول هي عملية متواصلة مواكبة للمسيرة البشرية، ومن يتمكن من إدراكها، ويكون له قصب السبق فيها من أمم وكيانات وأفراد هو من سيقود في محيطه، ويحقق غاياته وأهدافه.
لقد شهدنا في الأردن على مدى سنوات طويلة طروحات متعددة للتحول الإداري والاقتصادي والسياسي، جاءت هذه الأطروحات على ألسنة المسؤولين ورؤساء الحكومات وقادة الرأي، لكن هذه المساعي غالبا ما كانت ترتطم بمن نعتهم القائمون عليها بـ" قوى الشد العكسي" أو "الحرس القديم"، وبغض النظر عن مدى وجاهة وملاء مة كل من هذه المبادرات، فإن أيا منها لم يحقق ما يمكن أن نسميه تحولا ملموسا في الاقتصاد أو الإدارة.
في هذه الحقبة يلقى شعار التحول الرقمي رواجا واسعا على مستوى العالم, والأردن ليس استثناءً، وهو تحول يعني الجميع ولا يستثني قطاعا أو نشاطا بشريا أو بقعة جغرافية، ويحظى بمصداقية من خلال نماذج ومنتجات قابلة للعرض والاختبار،بحيث أصبح حاضرا على أجندات الدول والمؤسسات والأعمال، وبالتالي فهو الشكل الجديد للتحول الذي يجب أن نتبناه في مؤسساتنا وإداراتنا دون تسويف او تلكؤ فالوقت ليس في صالح المترددين الذين سيجدون أنفسهم على الهامش.
علينا أن ندرك أن أي تحول حقيقي يستلزم تغييرات جذرية وفي نواح متعددة، ويتطلب استعدادا ثقافيا ومؤسساتيا لتقبل ودفع عملية التحول قدما، ويتطلب تغيرا في العلاقات والتشريعات حتى يكون ناجزا ولا تتأخر ثماره أو بعضها، فالتحول يحتاج إلى إمكانات ويشمل الأدوات والتقنيات والبشر، ولسوء الحظ فإنه كثيرا ما يتم تجاهل العامل البشري عند وضع مشروع التحول موضع التنفيذ، ولذلك نجده العامل الأكثر تأثيراً في تأخر تحقيق مبادرات التحول.
إن القدرة على التكيف مع متطلبات التحول أصبحت ميزة ومهارة للموظف والعامل، أما على المستويات القيادية فإن مساهمتها في إنجاز التحول هو لازم من لوازم القيادة، وهذه المهارة التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في العمليات التعليمية والتربوية وفي التدريب والتوظيف. فالمؤسسات تواجه حاجة متزايدة إلى تغيير المعايير التنظيمية والثقافية كي تواكب التقنيات والمستجدات اللازمة لإنجاز التحول، وإلى امتلاك القدرة على التكيف السريع مع الاحتياجات المتغيرة للأسواق، واستيعاب أساليب العمل الجديدة .
ستظل أية فكرة مستقاة من نماذج أخرى، أو مبتكرة في محيطها، غير قابلة للتحقيق ما لم تجد البيئة الحاضنة لها، والقيادات القادرة على إحداث التغيير المنشود .