قنبلة يفجرها الايتام امام الوزير

 


اثارت مقالة البارحة التي جاءت تحت عنوان «كلام بين يدي الملك حول ملف الايتام» ردود فعل واسعة، حتى ان الهاتف لم يهدأ طوال امس، وكأن الدنيا انقلبت رأسا على عقب، وعلى كل مستويات البلد.

كنت قد تحدث عن انتهاكات جسدية وجنسية، واعتداءات على الايتام، وسوء في ظروفهم، في بعض مؤسسات الايتام، وان المشرفين يمارسون سلطة دكتاتورية على الايتام، في بعض الدور التي تضمهم، وطالبت بقيام مسؤولين بزيارة الدور والاستماع للايتام، وحمايتهم.

حمايتهم من العقاب، بعد انتهاء الزيارة، لان من يكشف اسرار الدار، وما يتعرض له الايتام، سيناله عقاب من المشرفين او المشرفات، خصوصاً، ان هناك سلبيات متراكمة على مدى سنوات، وليست وليدة شهر او شهرين.

وزير التنمية الاجتماعية وجيه عزايزة اتصل بي البارحة، واقترح علي ان نذهب معاً لنفطر في احدى دور الايتام، بشكل مفاجئ، لنطلع على الواقع بأعيننا، دون تنسيق مسبق، مع ادارة الدار، لنستمع من الايتام، الى اوضاعهم.

وافقت، والتقينا في السابعة من مساء البارحة، وذهبنا الى احدى الدور التي تم اختيارها، بشكل عشوائي، ودون تنسيق مسبق، ووصلنا الى دار الايتام، قبل الافطار بدقيقتين فقط.

دلفت بمعية الوزير الى داخل العمارة التي تحوي عدة شقق سكنية، واطل علينا ايتام، ليسألوا عمن نكون، الوزير سأل عن المشرفين، فقدموا على عجل، وهم لا يعرفون ان وزير التنمية الاجتماعية جاء ليفطر مع الايتام فجأة.

عشرات الايتام من اعمار مختلفة، في عدة شقق سكنية، وهناك عدد من المشرفين بالاضافة الى الادارة، وقد تناولنا طعام الافطار معهم، وكنا وسط سؤال وجواب، واستفسار عن ظروفهم التي سلبت المسرة عن وجوههم جراء اليتم والحرمان.

بعد الافطار طلب الوزير من المشرفين الخروج من المكان، وتركنا وحدنا مع الايتام، فخرج هؤلاء وقال الوزير للاطفال ان الملك يهتم لامرهم، ويتابع كل شيء، وان عليهم الحديث عن ظروفهم بصراحة، وانه سيعود اليهم مراراً، حتى يأمنوا ولا يخافوا لو كشفوا شيئاً سيئاً.

لم يبق طفل منهم ساكتاً، وكأن السماء أنطقتهم الواحد تلو الاخر، معاملة المشرفين لديهم جيدة، وواضح من انطلاقتهم وانسيابية علاقتهم خلال الافطار ان المشرفين يعاملونهم معاملة اهل واصدقاء.

تبدت ملاحظات على ذات الدار، وهي ملاحظات متراكمة وقديمة، من نقص الملابس، الى نوعية ملابس العيد، مروراً بمصروفهم البالغ نصف دينار يومياً والذي يتأخر تسليمه احياناً، وصولا الى ملاحظاتهم حول العابهم وتوظيفهم وحصولهم على رقم وطني، بالاضافة الى تشغيلهم وتأهيلهم واوضاع متعلقة بالغسالات والرياضة وقصص اخرى.

القنبلة التي تفجرت البارحة، لم تكن بخصوص الدار التي ذهبنا اليها، بل بخصوص دار اخرى للايتام، يعرف اطفال هذه الدار عما يدور فيها من مشاكل، وكأن الله يريد رفع المظالم عن ايتام صغار في مكان اخر.

يعرف اطفال هذه الدار ما يجري في تلك الدار من خلال برامج التنمية الاجتماعية بجمع الاطفال الايتام في مخيمات كشفية، وفي مناسبات عدة ورحلات، ولذلك كانت ذاكرتهم ثرية جداً بتفاصيل خطيرة.

الايتام الذين نصروا ايتاماً اخرين قالوا عن احدى الدور، ان فيها ضرباً وصفعا بالركلات، وذكروا اسماء لاطفال ايتام تم الدعس على رؤوسهم بالاحذية، خلال العام الماضي، واطفال تم صفعهم بالاكف على وجوههم.

فوق ذلك كشفوا ان ايتام اخرين من تلك الدار تمت معاقبتهم من مسؤوليها لمجرد ان اطفال تلك الدار استغلوا زيارة مسؤولين، واشتكوا من اوضاعهم، وحين غادر المسؤولين، تم ضربهم وتهديدهم.

قالوا ايضاً عن رفاقهم الايتام في الدار الاخرى، ان بعضهم تم ضربه وفر من الدار ونام في حديقة او مسجد، وبعضهم تم ضربه وفر الى دارهم، وان بعضهم يتعرض الى عقوبات.

كانت المصيبة ان تسمع كلاماً يقول ان بعض مشرفي الدار الاخرى يتهم ايتام الدار التي زرناها باللواط والانتهاكات الجنسية، ويقومون باشاعة هذه الانطباعات عنهم وتشويه سمعتهم في اوساط الايتام.

كاد يبكي احدهم وهو يقول لقد لطخ بعض مشرفي تلك الدار سمعتنا نحن هنا في هذه الدار، وحين ذهبنا الى العمرة قبل فترة على نفقة الملك، وبسبب تشويه سمعتنا ونحن ايتام، لم يجرؤ احد من الايتام الاخرين ان يقترب منا ولو بمرحبا.

الوزير سجل كل الملاحظات، ويعتزم فتح ملف الايتام والدور، وهو تعاطف مع الايتام وشجعهم على الحديث، وجال في الدار، غرفة غرفة، لكنه كان في قمة الضيق مما سمع، والارجح ان كل دور الايتام ستكون تحت التفتيش والمجهر في بحر الايام المقبلة.

ملف الايتام بحاجة الى دراسة عميقة، وحل لاشكالاته، ولا تعرف كيف يجرؤ مشرف على الدوس على رأس يتيم، حتى لو اقترف مصيبة، خصوصاً، ان واجبه ان يربيه ويحنو عليه ويعلمه، لا ان يُحطّمه فيخرج الى المجتمع لاحقاً كعدو يقرر الانتقام من الجميع.

ومني الى كل من يهمه الامر في هذا البلد.

mtair@addustour.com.jo