المفتي العام يؤكد أهمية احترام المذاهب الإسلامية وترك التعصب الأعمى وتجهيل الآخرين

زايد الدخيل

عمان - أكد المفتي العام للمملكة عبدالكريم الخصاونة أنه "لا سلطة لأحد على الإفتاء إلا سلطان الدين"، مشددا على أن واجب كافة  المواطنين أن يتعاملوا بصدق وإخلاص مع كافة قضايا الوطن والأمة.
كما شدد الخصاونة في حوار مع أسرة "الغد"، على أهمية احترام المذاهب الإسلامية وترك التعصب الأعمى وتجهيل الآخرين، والإنصات إلى الرأي الآخر، مشيراً إلى أن الأردن اتخذ نهجاً يحرص على إبراز الصورة الحقيقية المشرقة للإسلام، ووقف التجني عليه ورد الهجمات عنه والذود عن حياضه، وكل ذلك بهمة القيادة الهاشمية التي تتصل جذورها بالمصطفى صلى الله عليه وسلم صاحب الرسالة.
وتطرق الخصاونة إلى بعض الصفات الواجب توافرها في المفتين، مشيراً إلى أهمية أن يزيد المفتي باستمرار من حصيلته العلمية، وأن يستعين بالله على إصدار الفتوى، مبيناً أن المفتي يجب عليه معاملة الناس بلطف وسماحة لأن هذه هي أخلاق المسلم الحق.
وأشار الخصاونة، إلى أن الاختلاف في الفتوى يكون في مسائل فرعية، يمكن أن تختلف فيها فهوم المجتهدين، أما المسائل الكلية ومسائل أصول العقائد فلا يوجد فيها اختلاف في الشريعة الإسلامية، والاختلاف في الفروع أمر من لوازم البشر لا يمكن رفعه ولا منعه أو دفعه، ولا يشكل خطراً على الأمة، فقد كان الصحابة رضي الله عنهم والعلماء من بعهدهم، يختلفون في الفروع مع اتحاد كلمتهم وتوحيد صفوفهم، بل هو مظهر من مظاهر الرحمة والسماحة في هذه الشريعة، وقال الإمام مالك رضي الله عنه لهارون الرشيد، عندما أشار عليه أن يحمل الناس على كتبه "يا أمير المؤمنين إن اختلاف العلماء رحمة من الله تعالى على هذه الأمة، كلّّ يتّبع ما صح عنده، وكلهم على الهُدى، وكلّّ يريد الله تعالى".
ودعا الخصاونة إلى أن يكون الاختلاف الفقهي الذي نجم عنه اختلاف في الفتوى، مستنداً على دليل شرعي معتبر، أما إذا لم تكن الفتوى كذلك، فإنها قول بالهوى والتشهي، وهذا هو الخلاف المذموم، مشيراً إلى أنه في العالم الإسلامي، يوجد مجامع فقهية تضم نخبة علماء موثوقين، وتصدر عنها الكثير من الفتاوى النيرة، والقرارات الفقهية المستندة إلى الأدلة الشرعية الصحيحة.
وقال الخصاونة إن "الواجب على المسلم أن يسير على النهج القرآني، وأن يتحلى بأخلاق القرآن الكريم من إبراز الصورة الحسنة المشرقة الناصعة للإسلام ولنبيه صلى الله عليه وسلم أمام العالم، والدفاع عنه ورد الشبهات الموجهة إلى شخصه وحياته صلى الله عليه وسلم، وذلك عبر تكاتف الجهود والمشاركة الفاعلة في وسائل الإعلام المختلفة.
وأشار الخصاونة إلى أن الفتوى في الإسلام لها شأن عظيم ومنزل رفيع شريف، ويدل على عظمة منزلتها أن الله تعالى نسبها لذاته العلية قائلا "وَيَسْتَفتونك في النساء قل الله يفتيكم"، النساءـ127، وقال سبحانه وتعالى "يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة" النساء ـ 176، وأول من قام بهذا المنصب، سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، ذلك أن الفتوى تعرف بأنها "بيان الحكم الشرعي لمن سأل عنه"، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبين لهم الحكم الشرعي، قال تعالى "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم" النحل ـ44.
وأشار الخصاونة إلى وجود اختلاف في الفتوى من بلد إلى بلد أو من مكان إلى آخر، موضحا أن الاختلاف نشأ مع نشأة المذاهب الفقهية المختلفة، لعوامل متنوعة مبثوثة في كتب العلماء في مسائل ظنية، تختلف فيها المدارك والأفهام، فالمختلفون في ذلك الوقت لم يقصدوا الاختلاف لذاته، بل كانت غايتهم واحدة، وهي الوصول إلى الحكم الشرعي الصحيح، فهم وإن اختلفوا فإنهم متفقون من جهة القصد إلى موافقة المشرع، وهذا الاختلاف إن دلَّ على شيء، فإنما يدل على سعة الشريعة ومرونتها وصلاحيتها لكل زمان ومكان.
وقال الخصاونة إن فتوى الدائرة مبنية على الكتاب والسنة، ولا يراعى فيها إلا رضا الله سبحانه، مؤكدا أنه بسبب هذا المنهج وبعد توفيقه تعالى، لاقت الدائرة قبولا واحتراما شعبيا ورسميا، فالمواطن متدين بفطرته، يعرف ما له وما عليه، يميز الحق من الباطل، ويعلم أن الدائرة تجمع ولا تفرق، توحد ولا تمزق.
وأكد الخصاونة أن الدائرة تصدر فتاوى تعتمد وتستند على أدلة شرعية صحيحة، ولا تصدر عنها فتاوى مثيرة للجدل، أو تمس جهة معينة الهدف من ورائها إثارة الطائفية والنعرات بين أفراد المجتمع وتفكيكه، مشيراً إلى أن أغلب الفتاوى الضعيفة والشاذة تصدر من الخارج ولا تستند إلى أي دليل شرعي.
وأضاف أن دائرة الإفتاء ملتزمة بأن تستند على إدلة شرعية صحيحة في فتاواها، "ما ولد الثقة لدى المواطنين بالدائرة، والدليل على ذلك حجم الأسئلة التي ترد عليها".
وشدد الخصاونة على أن أي فتوى لا تعتمد على الدليل الشرعي، يجب ألا يؤخذ بها أو أن يجري التعامل معها، مشيرا إلى أن الجهل وغياب الدليل العلمي يؤديان إلى وجود خلل في إصدار الفتوى، مشيرا إلى أن معظم الفتاوى التي ترد للدائرة في شهر رمضان الكريم، تتعلق بأحكام الصيام والأمور الطبية وتأثيرها على الصيام، ولا نخوض بها إلا بعد استشارة طبيب مختص.
وبين الخصاونة آلية الفتوى ومنهجيتها في الدائرة، مشيرا إلى أنه من المعلوم أن الفتاوى على درجات، فبعض المسائل معروف حكمها لدى طلاب العلم الشرعي، ويجيب عليها أي متخصص بأحكام الشريعة، ولا يجوز حجر الفتوى في الأمور العادية على المفتي الرسمي أو الدائرة، بل يجوز لكل فقيه متمكن أن يجيب عليها، أما المسائل التي تعرض على دائرة الإفتاء،  فمنها عادية يجيب عليها المفتي إذا علم الجواب، وهناك مسائل أكثر صعوبة، تجتمع لها لجنة مصغرة لتخرج بعد ذلك بالحكم الصحيح في نظرهم.
وأوضح، أن الدائرة تعتمد المذهب الشافعي في الفتوى من حيث الأصل، لأنه الأكثر انتشاراً في الأردن، مع الاستفادة من أقوال الفقهاء الآخرين واعتمادها في مسائل بعد التدارس والبحث ومداولة الرأي مع المفتي العام، ويكون ذلك في مسائل يعسر تطبيق "الشافعي" فيها أو يكون في تطبيقه حرج شديد، ولهذا الانتقال ضوابط وقواعد شرعية مستمدة من كلام أهل العلم.
وبين الخصاونة، أن الدائرة تتلقى عبر الموقع الإلكتروني والهواتف في شهر رمضان أكثر من 1300 سؤال في اليوم، وفي الأيام العادية تتلقى بين 600 إلى 700 سؤال، والإجابة في رمضان وعلى الموقع الإلكتروني فقط لا تكون فورية، حيث هناك أسئلة نرسلها إجاباتها إلى أصحابها فقط ولا نظهرها على الموقع، ولكن على الهاتف تكون الإجابة فورية، إلا إذا كان السؤال في قضية خلافية أو شائكة تحتاج للمراجعة، وغالبا ما تتم الإجابة في أقل من ساعة، أما الموقع فلا تتجاوز الـ48 ساعة، إضافة إلى حضور المواطنين للدائرة ذاتها، وأخذ الفتوى مباشرة من المفتين، مشيرا إلى أن هنالك 35 مفتيا في الدائرة، منتشرين في كافة المحافظات وألوية الرمثا ودير أبي سعيد ودير علا، مضيفا أن هناك توجها إلى تعيين مفتين هذا العام.
ودعا الخصاونة، إلى مراعاة الضغط على المفتي أثناء قيامه بواجباته، بحيث يلزم المفتون بأخذ الأسئلة وإجابتها بعد الدوام، وتتم مراجعة الأجوبة والتأكد من صحتها، لتبقى فتوى الدائرة صحيحة، أما إذا كانت المسألة خلافية فتعرضها الدائرة على مجلس الإفتاء، ويقوم كل مفت بقراءة السؤال ونأخذ برأي الأغلبية، أي برأي المجلس.

zayedaldakheel@alghad.jo