يا فتّاح يا عليم يا رزّاق يا كريم

 

يا فتّــاح يا عليم يا رزّاق يا كريم

 

بقلم: شفيق الدويك

 

بتلك العبارة المباركة كان العَمّانيّون يستهلّون صباحاتهم بعد عبارة أصبحنا و أصبح الملك لله قبل خمسين سنة عندما كنت في الخامسة. كنت أسمعها دون أن أفهم معناها أو مغزاها، و أذكر أنه عندما كانت تغادر العبارة، بوجل و أمل، حناجر جميع الأمهات الراضيات و الآباء المتوكلون على الله في رزق عيالهم ، كنت أتعجب من توجه جميع العيون نحو السماء في حركة يُفهم منها شدة الرجاء و التفاؤل بالإستجابة.

 

كان الناس، لطاف المنظر و السلوك حتى من كان منهم بنصف أو ربع ذكاء أو أقل، يستجدون البركة من خالقهم، يطلبونها و هم على هيئة الطير الضعيف النقي السريرة ليبارك الله لهم في رزقهم و عيالهم و بقية شؤون حياتهم.

 

كنت أشعر بأن الأشياء مثل الأبواب و الشبابيك و الكرة و الكتب و الدفاتر و المساطر و الملابس المتروكة على حبال الغسيل لتجف و الملاقط الخشبية تستيقظ مثل البشر بعد صياح ديك أم عوض الشوبكية (يرحمها الله). كان للماء الذي يغلي قبل ولادة الفجر، و للأطفال حديثي الولادة و حتى الحارات روائح مميزة و زكية أحن، مثل الآخرين، إليها.

 

كنا مخلوقات تحب الإستطلاع و المعرفة رغم تعب التحصيل و شقاوته، وسكنت فينا روح الصبية الماجدين و الأصدقاء الملائمين.

 

كانت لنا صداقات مع الكلب الوحيد في الحي الدافئ اللطيف الودود الذي كنا نسكنه، عفوا الذي كان يسكن فينا، و كذلك مع الدجاجات الملونة بأبهى الألوان اللامعة و القطط التي كانت غالبيتها تُنسب للجيران لا لنا.

 

كنا نعتقد بأن للقط سبع أرواح، و كان الأولاد يطلقون أسماء ملفتة للنظر على حاراتهم، مثل حارة قلب الأسد، و حارة الحنش ، و لا يمكن للجوّ أن يمحو الإسم لسنين لأنه مصر على الرسوخ.

 

كنا نتحدث عن حارتنا كفردوس أرضي، و كانت المشية اليومية نحو مطعم أبو الراغب لبيع الحمص و الفلافل لإحضار وجبة الإفطار النمطية لها متعة فريدة و كنا نمشي الهوينا لئلا يقع الفطور منا على تراب الطريق مثلما قد حدث مع نوال و خيرالله.

 

كان المضيف يسأل عن الصحة، عشرين مرة على الأقل،  ببشاشة و يقظة و صدق قبل أن ينتقل  من  شيئ  الى آخر، و لم يكن من السهل  أن يجد الناس ثناء مناسبا للرد، و كل شيئ بسيط. و كان المضيف ، وفقا للاسلوب العربي، يقدم الطعام بشخصه و هو واقف عندما يأكل الضيوف و هم جلوس عند حافة مفرش بلاستيكي مزركش بُسط على الأرض ليوضع الأكل عليه.

 

و عندما يأتي المساء، كانت أحلامنا، كأطفال، تبدأ قبل موعد آذان العشاء بقليل    shafiqtdweik@yahoo.com