المواطن الأردني أم السفير الفرنسي؟
د. آية عبد الله الأسمر
كان زوجي في طريقه إلى المنزل بعد يوم طويل محشو بالعمل والعرق, عندما قفز أمامه رجل الأمن من فوهة المفاجأة من دون مقدمات, ملوحا له بضرورة أن يتوقف بمركبته قبل أن يتركه ويذهب.
توقف زوجي وانتظر معتقدا أن أمرا جللا حدث أو سيحدث, إلا أنه فوجئ بمركبة أخرى فاخرة تدخل حديقة منزل شاهق الجدران لتختفي خلف البوابة الحديد العملاقة التي أغلقت خلفها.
نادى زوجي على الشرطي وسأله عن سبب توقيفه له, فأجابه ببساطة أنه يستطيع العبور الآن, إلا أنه كان مضطرا إلى توقيفه حتى يدخل السفير الفرنسي إلى منزله, فاستشاط زوجي غضبا من تعطيل مروره والمواطنين من أجل حضرة السفير الفرنسي.
أذكر هنا أنني كنت في يوم من الأيام في مكان ما بالقرب من عبدون مول في عبدون, عندما فاجأتني مركبتان يقودهما رجلا أمن, وخلفهما مركبة كبيرة تقودها امرأة شقراء واضح جدا من ملامحها وملامح صغيرتها بجانبها أنها ليست عربية, إلا أنني لا أستطيع أن أجزم إن كانت أمريكية أو أوروبية, المهم أن مركبة رابعة خرجت مسرعة خلفهم من دون أن يلتفت أي من المركبات الأربع إلى المركبات المارة في الشارع الرئيسي, رغم أنهم خرجوا من شارع فرعي وتوجهوا مسرعين من دون أن يرونا أو حتى يلمحوا وجودنا, أذكر أنني اغتظت إلى درجة أنني حاولت اللحاق بهم والشجار معهم, لأنني اعتبرت ذلك التصرف مهينا وملطخا بالفوقية والكبر والاستعلاء.
تذكرني هاتان القصتان بمقال للدكتور فهد الفانك روى فيه ما حدث له في الولايات المتحدة الأمريكية, عندما لم يتوقف عند شاخصة مرورية تلزمه التوقف لثلاث ثوان قبل المضي قي طريقه على مفترق طرق, ورغم أن الفانك أخبر شرطة المرور آنذاك أنه في زيارة للسفارة الأردنية أو أنه في زيارة دبلوماسية (لا أذكر بالتحديد), إلا أنهم أصروا على مخالفته وتغريمه لمخالفته القانون.
تتراشق الذكريات المرة في ذاكرتي المتآكلة كما تتراشق الحمم البركانية الغاضبة, بداية التسعينيات عندما بدأت دولة الإمارات مثلها مثل باقي دول الخليج العربي بل ربما مثل جميع دول الوطن العربي, في عملية الانبطاح السياسي لأمريكا خاصة وللاستعمار عموما بكل سعادة وسرور وفخر واعتزاز, وبشكل إرادي وطوعي ومع سبق الإصرار والترصد, أذكر أن خالا لي جاءنا مذهولا من مركز شرطة المرور بعدما استبدل بطاقة تأمينه الصحي كمواطن أمريكي برخصة قيادة إماراتية, كما أذكر إبن خال صديقتي التي قالت لي كيف تعرض قريبها إلى مضايقة من بعض الشباب الإماراتيين في منتصف الليل, ولم ينقذه سوى لغته الإنجليزية القوية التي استعان معها بشعره الأصفر وعينيه الزرقاوين, ليوهم الشباب الذين كانوا على وشك الانقضاض عليه وضربه في شارع خال في منطقة مقطوعة, بأنه شاب أمريكي مستاء جدا منهم ومن تصرفاتهم غير المسؤولة, مما جعل الشباب يعتذرون له ويطلبون منه الصفح ويتوددون له قبل أن يدعوه وشأنه وينصرفوا عنه, ليتركوه أسير الحيرة من عالم عربي لا نحترم فيه بعضا البعض بقدر ما نقدس فيه الآخر الغريب.
كثيرة هي القصص والحوادث التي تتعملق في ليل القهر المتسربل بالوجع والحسرة, كصديقنا الذي حصل كأمريكي على عقد عمل بميزات ممتازة من المملكة العربية السعودية, ثم فوجئ بهم يغيّرون العقد ويقلصون امتيازاته بعد أن علموا أن الرجل من أصول عربية.
للحق أنا لا أعلم إن كانت البروتوكولات الدبلوماسية تلزم المواطنين الفرنسيين بالتوقف من أجل مرور السفير الأردني في فرنسا كما حدث للمواطنين الأردنيين من أجل السفير الفرنسي في الأردن, ولا علم لدي بالحقوق المكتسبة للدبلوماسيين وعائلاتهم كأحقية اقتحام الشارع رغم أنوف المارة الآخرين وفي مخالفة واضحة لقانون السير, إلا انني أذكر هنا خبرا قرأته منذ مدة طويلة في إحدى الصحف عن وقوف توني بلير وزوجته أو صديقه ربما, أمام مقهى عام بانتظار دوره حتى يتمكن من الجلوس حول أحدى طاولات المقهى المكتظة, ليتمكن من تناول قهوته الصباحية.
للسفير الفرنسي كل الاحترام والتقدير وللأخوة الخليجيين كل الاحترام والمحبة, فأنا لست متحاملة على أحد وكل ما هناك أنني لم أكن في يوم من الأيام مواطنة من الدرجة الأولى, فالعرب مواطنون من الدرجة الرابعة في دول الخليج العربي بعد المواطنين أصحاب الأرض والأمريكيين والأوروبيين, ثم نحتل نحن المرتبة الرابعة قبل الهنود والباكستانيين, أذكر أن قانونا كان يمنح المواطن الإماراتي والمواطن الأمريكي حق اقتناء مركبة كبيرة (فور ويل), بينما يمنع الآخرين هذا الحق, رغم أنني في كل الأحوال لا أملك ثمن اقتناء مثل هذه المركبات, إلا أنني أتألم من فكرة أن الآخرين يحق لهم ما لا يحق لي لأسباب لا يستطيع فكري منطقتها وإسباغ أسباب عملية واضحة مبررة عليها.
أما هنا في الأردن فالوضع مختلف لأنني لا أشعر بذلك الضيق والإذلال, وأعترف بأنني أفاخر بمواطنتي ووطنيتي, ولكن ألا يحق لي أن أتساءل لماذا يعتبر المواطن الأمريكي وكذلك الفرنسي مواطنا من الدرجة الأولى في وطنه على اعتباره دافعا للضرائب, ثم نعده نحن مواطنا من الدرجة الأولى أيضا ونمنحه امتيازات الدرجة الأولى حتى في وطننا, بينما لم نشعر نحن في يوم من الأيام بأننا مواطنون من الدرجة الأولى سواء في أمريكا أو أوروبا أو الدول العربية الشقيقة, وأحيانا ولا حتى في وطننا لخلو جيوبنا من بطاقات النفوذ والقوى والوساطة, ولأننا غير محسوبين على أحد إلا على أنفسنا, ولأننا لسنا أقرباء فلان أو أصدقاء علان?!