دولة سمير الرفاعي يكتب: حديث مع صديق
“المتطرف هو الشخص الذي لا يستطيع تغيير الموضوع وغير مستعد لتغيير رأيه. هناك الكثير من المتطرفين بيننا.” هذا ما قاله صديق قريب لي عندما أخبرته أني قد انشأت صفحة خاصة لي على الفيسبوك. سألني إن كان لي أي طموح سياسي في المستقبل. أجبته بالنفي. عاد وسألني إن كنت قد فعلت شيئاً خاطئاً أشعر الآن برغبة غير مباشرة لتبريره امام الرأي العام.
أجبته مرة أخرى بالنفي. نظر لي باستغراب وقال: “لماذا يقدم أي عاقل على مثل هذه الخطوة طوعاً ليصبح هدفاً للطخ والهجمات؟!”
اجابتي كانت واضحة لي في عقلي وضميري قبل ان انطق بها على مسمعه… أنا لا استطيع إلا طرح رأيي ازاء كل القضايا، خصوصا ان المناخ بحاجة الى ابداء الرأي وعدم الصمت، لان مستقبل البلد امانة في اعناقنا، ولان التحديات كبيرة جداً.
فوجئت بكلام صديقي الذي قال لي مجدداً: “المشكلة لم تعد مشكلتك، فلا أحد يريد أن يسمع منك!
بدأت بالإعتراض على كلامه، أسكتني واستمر قائلاً:
“أنت لديك الكثير مما تفخر به، ولكن ذات ما تعتبره مدعاة للفخر والإعتزاز بشأنك، تم قلبه ضدك وإستخدامه للهجوم عليك. كونك إبن وحفيد لرؤساء وزراء ومن عائلة خدمت هذا البلد دون كلل، مدعاة للاعتزاز غير ان هذا الارث في العمل العام تم قلبه الى عنوان جديد، وأصبحت القصة “توريث سياسي”.
اضاف صديقي “الجامعات التي تخرجت منها وخبرتك في القطاع العام والخاص، انقلبت إلى سلاح ضدك فأصبحت نخبوياً ولدت في فمك ملعقة من فضة، ورأسمالي لا تعرف شيء عن آلام وأوجاع عامة الشعب، هذا بدلا من اعتبار هذه سمات اضافية وخبرات تصب في صالح الموقع العام”.
“عندما كنت تتحدث كرئيس للوزراء عبر فرد الحقائق والأرقام، قيل أنك مسؤول بلا قلب تجلس في برجك العاجي، وعندما وقعت أنت ووزراء حكومتك على مدونة السلوك لتفادي أي تضارب في المصالح بين الموقع العام والمصالح الشخصية والفردية، قيل أنها حكومة البزنس لأنك أتيت بوزراء من القطاع الخاص. وعندما اطلقت مدونة سلوك إعلامية تحرر الإعلام من التبعية المالية للحكومة حتى يستطيع الصحافي تغطية أخبار الحكومة ومراقبة الاداء بموضوعية وحياد، أقاموا عليك حرباً وسموك عدو الحريات الصحفية، واطلق لقب خاص على حكومتك “حكومة الكابتليين” لأنك قمت بتعيين موظفين اثنين فقط كانا يعملان معك في شركة الاردن دبي كابيتال، ولكن الإشاعات حولت الرقم إلى خمسين موظف، ولم يسأل أحد عن أسماء هؤلاء الخمسين، وكيف تم اشاعة رقم غير صحيح؟”
قال كل مافي صدره على مسمعي وأضاف “وعندما طبقت القانون إحتراماً لسيادته، قيل أنك متشدد. وعندما بدأت بمحاربة الفساد قيل أنها تصفية حسابات شخصية، ولم يحرك أحد ساكناً دفاعاً عنك، ثم انتقدوك لصغر سنك!على الرغم من اغلب مجتمعنا فتي ومن الشباب، فيا صديقي لا تتعب نفسك، فمهما فعلت لن يكفي بنظرهم، فلا أحد يريد أن يسمع منك!”
أكمل صديقي قائلاً: “نصيحتي لك أن تتقبل الأمور كما هي ولا تتعب نفسك فالمتطرف لن يغير الموضوع ولن يغير رأيه، لانه لايريد ان يسمع ولا ان يناقش ويستصعب العودة عن موقفه اذا اكتشف انه على خطأ. ويدعي البعض أنهم يشاركونك الرأي ولكنهم يشاركون في الإنتقاد خدمةً لطموحهم الشخصي، فلا تكن مثالياً في عالم لا مكان للمثالية فيه، وإذا أردت أن تشارك في اللعبة فعليك أن تجامل وتهادن وتنافق لكي يتم قبولك كواحد من المشاركين، فلقد بذلت الكثير وقدمت أفضل ما عندك وتحملت مسؤوليتك كاملة وحافظت على الولاية العامة للحكومة ودفعت ثمن ذلك، فيا صديقي العزيز لن تستطيع أن تغير شيئاً من الواقع، لقد حاولت ولكن على الأقل لم تخسر نفسك في تلك المحاولة.”
حديث صديقي كان ماثلاً أمامي وأنا أفكر فيما إذا كنت أريد أن أفتح صفحة جديدة على الفيسبوك بعد أن تمكن شخص من قرصنة صفحتي وإغلاقها، بدون شك استفدت كثيراً من النقاش وتبادل الآراء مع المعلقين على صفحتي، ومن خلال التعليقات على الصفحة وخارجها، شعرت بروح الإصرار والمثابرة والحب والإنتماء لاردننا مما زادني أملا وإيماناً بالمستقبل المشرق الزاهر بإذن الله.
ردي على صديقي بسيط.. بغض النظر عن قراري بالعودة الى الفيسبوك أم لا، سأستمر في الحديث، إن كان من خلال الإعلام الإجتماعي أو من خلال أي منبر آخر، سأستمر في الحديث ليس فقط من أجلي ومن أجل أولادي، ولكن من أجل الأردن الغالي الذي خدمه جدي المرحوم سمير الرفاعي، الرجل العصامي الذي وقف حياته لخدمة العرش الهاشمي، والأردن الأغلى منذ أن قدم إلى الإمارة الناشئة إيماناً منه بمبادئ الثورة العربية الكبرى وبقيادة الهاشميين أبرار الامة واحرارها، ومن أجل الأردن الذي خدمه كذلك جدي المرحوم بهجت التلهوني الذي جاء من معان إلى عمان طفلاً يتيماً وأفنى حياته في سلك القضاء ووظائف الدولة المختلفة ومنها رئاسة الوزراء، وكذلك عمي الكبير المرحوم عبدالمنعم الرفاعي الذي يذكر دائماً ليس فقط بما قدمه من خدمات جليلة للوطن ولكن أيضاً لأنه نظم نشيد السلام الملكي. ولا داعي لأن أتكلم عن والدي، فالرصاص الذي إستقر في جسده أبلغ من أي كلمات للحديث عن ٥٣ عام قضاها في خدمة صاحب العرش المفدى ووطننا الغالي والشعب الأردني النبيل الأصيل.
ارد على صديقي ايضا بالقول: لا يستطيع أي متطرف أن يغير أو يقلل من حقيقة ما قام به جيل الرواد البناة المؤسسين الأوائل الذين جبلوا كل لبنة في الأردن بعرقهم ودموعهم ودمائهم حتى بات الأردن واحة أمن وأمان وسلام ووئام وإستقرار وإزدهار، حاضنة الجميع، لا مكان فيه للتطرف والعنف والكراهية والإستبداد، بل مهد الحب والتسامح والإنسانية والفخر والاعتزاز بما تم إنجازه حتى الآن. التحديات تزيد أردننا الغالي قوة ومنعة وتدفعه نحو المستقبل المشرق الزاهر الذي يريده جلالة قائد الوطن لشعبه.
صدق الله في قوله “فأما الزبد فيذهب جفاء واما ماينفع الناس فيمكث في الارض” صدق الله العظيم.